الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

(ما كان طريقه الاجتهاد لا يجوز فيه الإنكار)

صفحة 341 - الجزء 1

(ما كان طريقه الاجتهاد لا يجوز فيه الإنكار)

  قال الأمير الحسين: (خبر) وروي أن نسوة كن يصلين في حجرة عائشة فقالت لهن: «إنكن لا تصلين بصلاة الإمام فإنكن دونه في حجاب».

  قال القاضي زيد: ومثل هذا القول من الصحابي إذا وقع ابتداء جرى مجرى المسند إذ لا مساغ للاجتهاد فيه؛ لأن ما كان طريقه الاجتهاد فلا يجوز فيه الإنكار. اهـ كلام الإمام.

  قال الشوكاني: «قوله: قال القاضي زيد: ومثل هذا القول من الصحابي إذا وقع ابتداء جرى مجرى المسند؛ إذ لا مساغ للاجتهاد ... إلخ، أقول: هذا من مسارح الاجتهاد ومطارح الانتقاد بلا شك ولا شبهة، وشأن المجتهد أن يرشد غيره إلى اجتهاده قولاً وفعلاً؛ لأنه لا يرى غيره صواباً، وأما ما وقع في كتب الفروع أنه لا يجوز الإنكار في حكم مختلف فيه على من هو مذهبه فالأدلة تدفعه، وعلى العالم أن يقوم بما أوجبه الله عليه من بيان الشريعة المطهرة للناس على الوجه الذي يظن أنه المطلوب من العباد، ثم إن هذا الواقع من عائشة إنما هو مجرد تعليم للنسوة المذكورات ولم يكن لديها أنهن فعلن ذلك باجتهاد، وأين هن من ذاك ولم يكن قد انفتح في ذلك القرن الذي هو خير القرون بابُ التقليد والتمذهب ولا في القرن الذي يليه ... إلخ» اهـ كلامه.

  أقول: حين قال الشوكاني: «من مسارح الاجتهاد ومطارح الانتقاد» اهـ. كان عليه أن يطالب أم المؤمنين بالدليل، وإلا ردّ قولها؛ لحديث: «كل أمر لم يرد عليه أمرنا فهو رد».

  ويا عجباً كيف تجرأ الشوكاني على أم المؤمنين أنها أتت بهذا الخبر من تلقاء نفسها، ولم تحجزها التقوى عن الإتيان في الشرع بما لم يأذن به رسول الله وهو بين ظهرانيهم؟! وهل جاز لأحد من الصحابة أيام رسول الله ÷ أن يقول في صغيرة أو كبيرة لم يسمعها عن رسول الله؟! لقد جئتَ شيئاً فرياً، نعم ما قالته أم المؤمنين لا يمكن حمله إلا على أنه مقول لرسول الله ÷.

  ومقام عائشة أرفع من أن تقول شيئاً من تلقاء نفسها على عهد رسول الله ÷.