الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

(ما كان طريقه الاجتهاد لا يجوز فيه الإنكار)

صفحة 342 - الجزء 1

  ثم قال: «وشأن المجتهد أن يرشد غيره إلى اجتهاده» اهـ.

  نعم: نحن في حيّز المنع أن هناك اجتهاداً في عهد رسول الله ÷ لأي صحابي في أي مسألة إلا ما كان لعلي # في قضية الزُّبْيَة⁣(⁣١) في أرحب التي كان فيها أسد وتساقط فيها رجال ثلاثة، ثم رفض قضاؤه حيث قالوا: «لا يرضون به» ثم جاءوا رسول لله ÷ فحكوا له القصة ثم قالوا: قد قضى فيها علي، قال: «وبِمَ قضى»؟ فعرضوا قضاءه عليه. فقال: «القضاء ما قضى به علي»⁣(⁣٢).

  ثم قال: «أن يرشد غيره إلى اجتهاده قولاً وفعلاً؛ لأنه لا يرى غيره صواباً» اهـ.

  قوله: «يرشد غيره» يعني سواء كان الغير أعلم منه أو مساوياً أو جاهلاً وهل له تعلق بهذه المسألة أو لا؛ لما يقتضيه العموم؟!

  مع أن الله تعالى لم يوجب على أهل الذكر إلا بعد أن أوجب على الجاهل أن يسأل؛ لقوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ}⁣[النحل: ٤٣].

  ثم قال: «وأما ما وقع في كتب الفروع أنه لا يجوز الإنكار في حكم مختلف فيه على من هو مذهبه، فالأدلة تدفعه، وعلى العالم أن يقوم بما أوجبه الله عليه من بيان الشريعة المطهرة للناس على الوجه الذي يظن أنه المطلوب من العباد» اهـ، يعني أنه يتعين عليه أن يحمل الناس على ما يظنه هو، وأن يَدَعُوا ما يظنّونه لا لشيء إلا لأنه يرى أنالحق معه وأنه هو المفروض، ليت شعري هل من عاقل يقول بهذا أم هذه من فرائد مسلوب التوفيق؟! أجمع الناس قديماً وحديثاً أن المفروض على المكلف هو ما أدى إليه نظره واجتهاده وليس لزاماً عليه حمل الناس على ظنه.


(١) الزبية: الحفرة.

(٢) عن أمير المؤمنين # قال: لما بعثني رسول الله إلى اليمن حفر قوم زبية للأسد فازدحم الناس على الزبية ووقع فيها الأسد، فوقع فيها رجل وتعلق برجل، وتعلق الآخر بآخر حتى صاروا أربعة فجرحهم الأسد فيها فهلكوا، وحمل القوم السلاح فكاد أن يكون بينهم قتال، قال: فأتيتهم فقلت: أتقتلون مائتي رجل من أجل أربعة أناس، تعالوا أقض بينكم بقضاء فإن رضيتموه فهو قضاء بينكم وإن أبيتم رفعتم إلى رسول الله وهو أحق بالقضاء، قال: فجعل للأول ربع الدية وللثاني ثلث الدية وللثالث نصف الدية وجعل للرابع الدية، وجعل الديات على من حضر الزبية على القبائل الأربعة فسخط بعضهم ورضي بعضهم ثم قدموا على رسول الله فقال: «أنا أقضي بينكم» فقال قائل: فإن علياً قد قضى بيننا، فأخبره بما قضى علي # فقال رسول الله ÷: «القضاء كما يقضي علي» فأمضى رسول الله قضاء علي #.