(ما كان طريقه الاجتهاد لا يجوز فيه الإنكار)
  ولقد كان الخلاف في الظنيات بين صحْب رسول الله ÷ من دون نكير من أحد على أحد ولا تضليل، وقد ذهب أمير المؤمنين # إلى أن الحامل المتوفى عنها زوجها تعتد بأبعد الأجلين، ويرى عبد الله بن مسعود أنها إذا وضعت حَلّت، وذهب أمير المؤمنين # إلى تحريم الجمع بين الأختين بنكاح أو ملك؛ لقوله تعالى: {وَأَن تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ}[النساء: ٢٣].
  وذهب عثمان إلى جوازه بالملك؛ لقوله تعالى: {إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}[النساء: ٢٤].
  وذهب بعض الصحابة إلى أن الأم تُحجَب بالإثنين من الأخوة فصاعداً، وذهب آخرون إلى أنها لا تحجَب إلا بثلاثة فصاعداً، ودرجوا على هذا، ثم جرى الخلاف إلى التابعين وتابعيهم.
  ثم بين أئمة المذاهب ... وهذا أمر شائع ذائع، وجعلوا من الأصول المتفق عليها أن «كل مجتهد مصيب في الفروعيات» وأن مراد الله من المكلف هو ما أداه إليه نظره مستدلين بقوله تعالى: {مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ}[الحشر: ٥]، وبصلاة العصر لبعضهم في بني قريظة، وحديث «أما أنت فأصبت السنة وأما الآخر فله أجران»، ولأنه كالاختلاف على طهارة الماء، ليس لي أن أعمل بظن غيري وأنا أرى أنه متنجس، ولا على غيري أن يعمل بظني.، وكالاختلاف في القبلة والوقت كلٌّ مكلفٌ بظنه فقط، وقد التبست القبلة على صحابة رسول الله ÷، فصلى كلٌّ إلى جهة وخطّوا خطوطاً، ولم ينكر أحد على أحد، وأقرّهم الله جميعاً وقال: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ}[البقرة: ١١٥].
  فما جرى به قلم الشوكاني خلاف ما أقر القرآن صحابة رسول الله وخلاف إجماع علماء الإسلام والمسلمين في الأمصار والأعصار.
  وإذا خالف هذا كله فنسمي زامل الشوكاني مرضاً.
  ولا شك أنه مسلوب التوفيق لخلافه لأمة الإسلام واتّباعه غير سبيلهم {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى ...} الآية [النساء: ١١٥].
  نسأل الله العافية من هذا الاجتهاد الغريب.