الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

من شروط وجوب صلاة الجمعة

صفحة 374 - الجزء 1

  أبي موسى وإلى ابن العاص وإلى سعد بن أبي وقاص أن يتخذوا مسجداً جامعاً ومسجداً للقبائل، فإذا كان يوم الجمعة انضموا إلى المسجد الجامع فشهدوا الجمعة، وقال ابن المنذر: لا أعلم أحداً قال بتعدد الجمعة غير عطاء. اهـ المراد.

  وبحمد الله قد أخمد الله صوت الشوكاني ومن معه من الساعين في هدم كيان الجمعة وإخفاء فضلها ودفن حسن عواقبها، وأودع الله قلوب المؤمنين تمام الرغبة في إقامتها، وتمام الرهبة من تركها، وسعوا إليها - استجابة لله ولرسوله - من كل حدب وصوب، يدخلون من كل أبواب جامع جمعة من الساعات الأولى إلى وقت الصلاة، وفعلوا ما حثهم رسول الله ÷ عليه، فملئت جوامع الجُمَع، وصلى الناسُ في عروشها⁣(⁣١) وفي صَوْحها وفي جوانبها، وهذا هو المؤمَّل، فأين يقع ترغيب الله ورسوله والعلماء الصالحين من تثبيط الشوكاني وإرخاصه قيمتها وتسويتها بغيرها؟! فلا تجد أذناً لندائه سامعة، ولا نفساً لرغبته تابعة.

  ولو أمعنت النظر في النظم الإلهي وحده لوجدته يُهيب بكل مؤمن إلى السعي من سليم ومريض ورجل وامرأة وحر وعبد ومقيم ومسافر، {إِذَا نُودِي لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا}⁣[الجمعة: ٩]، ولدخول الجميع صح الاستثناء وهو قوله ÷: «على كل مسلم إلا أربعة ...»، وقوله سبحانه: {إِذَا نُودِي لِلصَّلاَةِ} ليس بشرط لصحة السعي كما يقول المغالط، ولهذا أتوا الجمعة في أيام النبي ÷، وكذا أيام الخلفاء من العوالي، وأهل مسجد قباء ورغب في الحضور فيها من الساعة الأولى، وكانت أعظم أجراً مما بعدها، وإنما هي للإهابة والحضّ كما في قوله تعالى: {إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْح}⁣[النصر: ١] إلى قوله: {فَسَبِّحْ}⁣[النصر: ٣] فمجيء نصر الله ليس فيه قيد أو شرط لا يصح التسبيح إلا بعده، ثم اقتضى الأمر حضور الجماهير على اختلاف مذاهبهم وآرائهم وتشعّب نزعاتهم وميولهم، فمن يحفظ للناس وقارهم حتى لا يحصل شَغَب، ويتم اختيار إمام وخطيب ومناد؟! فمثل هذا - مع عدم السلطان - بعيد الإمكان، فضلاً عن بُعْد وقوعه، فمن ثَمَّ شرط الإمام لحفظ النظام، والتمكن من إقامة أفضل شعيرة من شعائر الإسلام، وعلى هذا


(١) سقفها.