الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

وجوب تعريف المريض بالله وما يجوز عليه وما لا يجوز

صفحة 414 - الجزء 1

  نعم: شَرَحَ اللَّهُ لمعرفته صدرك، ورفع بعلم توحيده وعدله قدرك، لا تكره ما جاء من الشوكاني في هذا البحث وأمثاله فلربما جاء ما يحبه الإنسان فيما يكره {فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}⁣[النساء: ١٩] ولربما عولجت بعض الأمراض بالسم، وقضت بعض الأدوية على المستدوي بها.

  وما حرره الشوكاني فيه خير من وجهين: أحدهما: فضيلة أراد نشرها وإذاعتها فسلط عليها لسان جاهل، وقلم خامل؛ ليتم الرد عليها، فتكون ضارّة له، نافعة لطلاب الحق.

  وثانيهما: يميز الله بها الخبيث من الطيب والحق من الباطل، فرب صاحب باطل أراد نشره فكبا لوجهه، على أن الصراع بين الحق والباطل قديم تقدُّمَ وجود الإنسان، وبين الهدى والضلال وبين العدل والجور، وبين العلم والجهل، ولكلٍ أهل وأنصار، وحملة ودعاة، وكل يدعو إلى ما يتبع من هدى أو ضلال، وجاء من هذا ما نقلته من تحامل الشوكاني على أعلى العلوم درجة وأرفعها مكانة وأعظمها قرْبة؛ لأنه علم يتعلق بالحق سبحانه، وكل علم يَشْرُفُ بشرف ما يبحث فيه، وقد قال فيه الشوكاني ما لم يقل فيه عِدَاهُ، وزعم تجرّده من كل خير، وأنه شُغْلة للوقت بلا طائل، وشغلة للفكر بلا نائل.

  ولئن رجعت بذهنك إلى عصر النبوة على سفينة القرآن وجدت الناس فريقين: داع إليها ومحارب لها، والمحارب لها يقول في القرآن مثل مقالة جاهل اليوم {لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيم}⁣[الأحقاف: ١١]، والناس في كل عصر لابد لهم من الفُرْقة، ولابد لكل فِرْقة من سلف يقتدون به، فمحاربو الدعوة النبوية لهم أتباع، وأنصارها لهم أتباع، ولهذا السبب يقول ابن أبي طالب - كرم الله وجهه -: «سيسأل عن حربي مع ابن هند رجال لم يزالوا في أصلاب الرجال».

  نعم: قد أغرق القاضي في النزع وأبعد المرمى فتطاول على ذم علم التوحيد والعدل والوعد والوعيد، ولا ريب أن ذمّه لهذا العلم ذمّ لحملته من آل بيت رسول الله ÷ ومن العلماء العاملين، فأول مَن أُخِذَ عنه هذا العلم - بعد رسول الله - هو باب مدينة العلم #.