(الشفاعة)
  ثم يقول: «الشفاعة منه ÷ لعصاة أمته فإن من له أدنى إلمام بعلم الحديث لا يشك في أنها متواترة ورواتها ليسوا بأشعرية ولا معتزلة بل أئمة فارقوا الدنيا قبل وجود الأشعري الذي تنسب إليه الأشعرية بسنين متطاولة» اهـ كلامه.
  أقول: أحاديث الشفاعة للعصاة لم تثبت عند أهل البيت $(١)، والظاهر أن أحاديث الشفاعة للعصاة المصرين إسرائيلية أدخلت في كتب الإسلام نقلت عن عبد الله بن سلام وكعب الأحبار، على أن القرآن الكريم يقول عن اليهود: {لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً}[البقرة: ٨٠] فرد الله عليهم بقوله: {بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون}[البقرة: ٨٠]، وهي - أي أحاديث الشفاعة عند القوم - مخالفة للآيات القطعية:
  كقوله تعالى: {إِن تَجْتَنِبُوا كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا}[النساء: ٣١] وقوله تعالى: {وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّار}[البقرة: ١٦٧] وقوله تعالى: {وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا}[الجن: ٢٣]، {وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى}[الأنبياء: ٢٨] {وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِين} ... إلخ.
  فما روي عن النبي ÷ كحديث «شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي»(٢) غير صحيح ألبتة، لمخالفته للقرآن والعقل، وإن فرضنا صحته فمؤول بمن ماتوا تائبين منها، والحمد لله رب العالمين.
(١) وقد روى العلامة فخر أقطاب الإسلام عبد الله بن الإمام الهادي الحسن القاسمي - في كتابه «الجواب الأسد في قارئ سورة الصمد» من ص ٥٤ إلى ص ١٦٨ - أكثر من خمسمائة حديث من رواية الموالف والمخالف تدل على خلود أهل المعاصي في النار.
(٢) قال العلامة الحافظ المحدث حسن علي السقاف ج ص ٩١ في تعليقه على كتاب «أسنى المطالب في نجاة أبي طالب»: رواه الترمذي في السنن عن أنس بن مالك (٢٤٣٥)، وقال: حسن صحيح غريب من هذا الوجه وفي الباب عن جابر.
وقال الترمذي في موضع آخر (٢٤٣٦) عندما رواه من حديث جابر: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه يستغرب من حديث جعفر بن محمد، وقد أورده أبو طالب القاضي في «علل الترمذي» ص ٣٣٣، وأورده ابن أبي حاتم في كتاب العلل ج ٢ ص ٧٩ وقال: وقرأ {إِن تَجْتَنِبُوا كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا} سمعت أبي يقول: هذا حديث منكر، فالحديث معارض للآية فهو ساقط مردود. اهـ المراد.