من لا تحل له الصدقة
  هذا ما نقلته لك من «ضوء النهار» بعد كلام الشوكاني؛ لترى من هو الذي أخطل في كلامه، وزل في رأيه؟! وهل هناك من هذيان أو هو كما قال المتنبي: (وآفته من الفهم السقيم)؟ أو كقوله:
  ومن يك ذا فم مرّ مريض ... يجد مُرّاً به الماء الزلالا
  لم يسلم من الشوكاني حتى الجلال، وهو معه في هدم المذهب؛ لأنه لن يرضى عنه ولا عن أحد من علماء العترة؛ لأن بغضه لهم للعرق وللأصل، ولو أنا قلنا للفقيه: هأنت قد ادعيت أن للعالم سهماً في الزكاة، وأوجبتَ أن يُعطى منها الفقيرُ ولو فاسقاً، والغارمُ ولو غنياً، فلولا أدخلت الهاشمي فيهم إن كان عالماً أو غارماً! إنه لو سمع هذه النغمة لضجّ ضجيج ذي دنف، وتململ تململ السقيم، ولقال: إن هذا شيء مني لا يُنال؛ لأن نَفَسي معروف، وقلمي عن نصرتهم مصروف، ولنا أن نأخذ جوابه مما قد أسْلَف، ونرى مع أي فريق ركض وأوجف، سنجده دافع عن أهل الذمة، وفي سبيلهم أنكر إجماع عمر مع الصحابة! ولمّا ضاق الخناق، والتفت الساق بالساق، لجأ إلى إنكار حجية الإجماع، وذبّ عن الفاسق، وأوجب أن يُعطى إن كان فقيراً ولو فاسقاً، وعن الغارم ولو غنياً أو غرم في معصية! ولا شك أن العترة المطهرة لا مكان لهم في قلبه؛ إذ لا يمكن حلولهم مع من سلف، فالضد لا يجتمع بالضد، والمتولي شطر جهة يتوارى عن الأخرى، بحكم موقعه من الجهة التي أناخ ببابها، ووقف على أعتابها، وكثيراً ما تنازعني نفسي أن الحب والبغض قسري، يفرضه ما جُبِلَتْ عليه النفس من هُدَى أو هوى لا يستطيع أن يحب ما غُرِس في قلبه مَقْتُه، ولا يبغض ما غُرِس في قلبه محبتُه، فما في القلب يَأْطِرُه على حب ما فيه أو بغضه، ومن هنا أخذ المتنبي حكمته في قوله:
  لا تعذل المشتاق في أشواقه ... حتى تكون حشاك في أحشائه
  إن القتيل مضرجاً بدموعه ... مثل القتيل مضرجاً بدمائه
  وبعض أهل الحكمة ذهب إلى أن الحُسْن والقبح ليس بذاتي، ولو كان ذاتياً لاتفق الناس على حُسْن الحَسَن وقُبْح القبيح، ولكن نرى كثيراً ممن عمت بصائرهم يرى الحَسَن