الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

كيفية استيفاء الزكاة وإخراجها إلى مستحقها

صفحة 538 - الجزء 1

كيفية استيفاء الزكاة وإخراجها إلى مستحقها

  قال الشوكاني: «قوله: باب: كيفية استيفاء الزكاة وإخراجها إلى مستحقها ... إلخ، أقول: إن مجموع الأدلة يقتضي أن أمر الزكاة إلى النبي ÷ فإن قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ}⁣[التوبة: ١٠٣] خطاب له إن سلم أنه في صدقة الفرض، وقد تقدم ما فيه والنص من الآية على المطلوب حديث «أمرت أن آخذها من أغنيائكم» وأحاديث بعثه ÷ للسعاة وأمره لهم بأخذ الصدقات، ومن ذلك الأدلة الواردة في الاعتداد بما أخذه سلاطين الجور، فإنها متضمنة لوجوب الدفع إليهم والاجتزاء بما دفع إليهم ومن ذلك حديث «من أعطاها مؤتجراً فله أجره ومن منعها فإنا نأخذها وشطراً من ماله» ولا يخفى أن مجموع هذه الأدلة وإن أفاد أن للأئمة والسلاطين المطالبة بالزكاة وقبضها ووجوب الدفع إليهم عند طلبهم لها فليس فيها ما يدل على أن رب المال إذا صرفها في مصرفها - قبل أن يطالبه الإمام بتسليمها - لا تجزيه، لأن الوجوب على أرباب الأموال والوعيد الشديد لهم والترغيب تارة والترهيب أخرى لمن عليه الزكاة - إذا لم يخرجها - يستفاد من مجموعه أن لهم ولاية الصرف، أما مع عدم الإمام فظاهر وأما مع وجوده من غير طلب منه فكذلك أيضاً، ويؤيد ذلك حديث «أما خالد فقد حبس أدرعه وأعتده في سبيل الله»، وأما مع المطالبة من الإمام فالظاهر أنه لا يجوز لرب المال الصرف؛ لأنه عصيان لمن أمر الله بطاعته، ولكن هل يجزيه ذلك أم لا؟ الظاهر الإجزاء؛ لأنه لا ملازمة بين كونه عاصياً لأمر الإمام وبين عدم الإجزاء، ومن زعم ذلك طولب بالدليل.

  ومما يؤيد ثبوت الولاية لرب المال قوله تعالى: {إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاء فَهُوَ خَيْرٌ لُّكُمْ}⁣[البقرة: ٢٧١] ففي هذه الآية أعظم متمسك وأوضح مستند، ومن زعم أنها في صدقة النفل بدليل السياق فلم يُصِبْ؛ لأن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فتطبيق الأدلة الواردة منه ÷ على من بعده من الأئمة والسلاطين - في أمر الزكاة - يحتاج إلى فضل نظر، ولا يقنع الناظر مجرد الإجماع