الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

وجوب الفطرة على من يملك قوت عشرة أيام أو أكثر

صفحة 551 - الجزء 1

  الزقوم، وانظر ما فيه من اضطراب أولاً في وجوبها على الفقير أن يسلمها، ثم في تحقيق الفقير من هو؟ وفي تحقيق الغني الذي يجب عليه تسليمها.

  وهو مع هذا التهافت المخزي يقول عن كلام الإمام: «هذا من السقوط بمكان» اهـ!

  فإذا تأملت كلام هذا المزيِّن لقُبْحِه، تقول: (ما مثله إلا كرجل قد نفد في القبيح بهاؤه، وذهب حياؤه، وهو مكشوف العورة يقول لمن ظهرت داغصته⁣(⁣١): الفخذ عورة إنك قليل أدب)!

  نعم أقول: ربما يكون ظهور عورة القلم أفحش من ظهور عورة الفرج؛ لأن عورة الفرج نادرة الوقوع والناس فيه على سواء وتزول وتَمَّحي، أما عورة القلم المظهِرة للدفين السيّء والتعاطي المخزي، فهي عورة لا تُسْتَر، ويبقى كاشفها مذموماً مستهتَراً، وصحيح أن المرء مخبوء تحت لسانه، وأن قلب الأحمق وراء لسانه، ولسان المؤمن وراء قلبه كما قال الوصي #، وقد اضطرب كلام الفقيه اضطراب الرِّشا، وتناقض فأظهر ما في الحشا، وسأناقشه معك فقرة فقرة، ثم إن كلمة «الرأي» التي علق عليها الشوكاني لا وجود لها في كلمة الإمام وإنما اخترعها ليعلّق عليها، وقوله: «إن الرأي إذا لم يكن له علة معقولة مؤثرة» اهـ. فالعلة المؤثرة إنما تكون في الحكم لا في الرأي، وأما الرأي فيسمى رأياً سواء كان صواباً أم خطأ، ويقال: (هذا رأي صائب وهذا غير صائب).

  ثم إن القول الذي استظهره [وأنها تجب على مَنْ عنده قوت يوم له ولمن يعول] ليس له بل حكاه صاحب «ضوء النهار» بأمانته لصاحبه وهو الإمام الشافعي، وحكى قول الإمام الأعظم زيد بن علي والإمام أبي حنيفة: أنها لا تجب إلا على من ملك النصاب، وحكى قول المذهب، ولم يعيّر أحد أحداً فمجال الاجتهاد في الظنيات مفتوح، لا استهزاء ولا احتقار ولا تعالٍ على الآخرين والحط من قولهم ومقامهم، وإظهار أنه المفرد العَلَم، ولا يسرقون قول غيرهم ولا يعزونه، لأنه ليس فيهم دَوْشان إنما هم علماء أعلام، وكون


(١) عين الركبة. تمت شيخنا.