وقفة مع الجلال
  ذلك أن الوضع في عصره وواقع كتبه أوقدا ناراً في أحشائه، وألهبا ضميره، وأفقداهُ توازنه، فأتى بكلمات مجرّدة عن الأدب، بعيدة عن أسلوب آل البيت الطاهر حتى لكأنه من شوكان أو من حران!
  فأصبح وهو عالم وناقد كأنه ليس بعالم ولا ناقد؛ لأنها أظلمت في عينه السبيل، وكدرت في فمه السلسبيل، فوضع نفسه موضع الهاذم للمذهب، والمظهر فيه عيوباً خفيت على غيره، فتمخضت عن «ضوء النهار» المعمول لهدم رواسي «الأزهار» وكان كما قيل:
  كناطح صخرة يوماً ليوهنها ... فلم يضرها وأوهى قرنه الوعلُ
  فإذا به لم يعمل به في عمل ولا فتوى ولا حكم، وبقي «الأزهار» محاطاً بـ «الأثمار» مرجّباً بـ «البحر الزخار»، وحينما مدّ طرفه «ضوء النهار» إلى هذه الصور الشامخة والقواعد الراسخة قيل له:
  أقول لمحرز لما التقينا ... تنكَّبْ لا يقطّرك الزحامُ
  فتفكك وتلاشى، وقيل للزيدي: أَتَستبدل هذا بهذا؟ فقال: حاشا أن أستبدل بالقلادة الرعاث، ولا بعثاق الطير البغاث، وسلوكه هذا حمل العلامة الأخفش | أن يقول: علم الجلال عظام بلا لحم، ورحم الله شيخنا العلامة محمد بن صالح بن شمس الدين البهلولي: أشرف عليَّ ذات يوم وأنا في الشعبة بالمدرسة العلمية وبين يدي نسخة من «ضوء النهار»، فقال: «ما هذا يا سيدي الصفي»؟ قلت: ضوء النهار، قال: (أيّ حِينْ هو عِلمْ يشتي يرويك أن معه عضلات وأنه يستر يخرّب) ولله سر في أنه لم يستفد منه أحد لا قديماً ولا حديثاً كما قيل:
  إذا علوي لم يكن مثل طاهر ... فما هو إلا حجة للنواصب