الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

شهادة الواحد لا توجب الصوم

صفحة 8 - الجزء 2

  سبق أن قلنا ونقلنا عن أهل الشأن أنها ليست عريقة في الشرط، ولهذا لم يجزم بها، وإنما هي عريقة في الظرفية فهي ظرف مستغرق لما يستقبل من الزمن.

  ثم قال - إغراقاً في جهله -: «فيكون مفهوم الشرط هاهنا غير معمول به لوجود ما هو أرجح منه» اهـ!

  أقول: ليس مَعَنا إلا مفهوم عدد لا غير، ولو وجد مفهوم شرط لكان أولى بالعمل به من مفهوم العدد؛ لأن كل من يقول بمفهوم العدد يقول بمفهوم الشرط ولا عكس، وليست «إذا» هنا إلا ظرفاً لا غير؛ لمجيء الشاهدين، والأمرُ بالصوم والإفطار منوط بالشهادة.

  واعلم أن (إذا) إذا كانت بمعنى الشرط تقترن بالفاء نحو {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُوا}⁣[المائدة: ٦]، {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ}⁣[النحل: ٩٨]، «إذا قرأ الإمام فأنصتوا» لكن الفقيه لما كان معزولاً من التحقيق، ومسلوب التوفيق، وجهل قدر نفسه كان كمن قيل:

  ومن جهلت نفسه قدره ... رَأَى غيرُه منه ما لا يَرى

  ومن قبيح غلطاته قوله: «إن حديث «إذا شهد ذوا عدل» إنما دل على عدم العمل بشهادة الواحد بالمفهوم فقط». اهـ، وهو جهل، وأبان عن إفلاسه في هذا الفن؛ لأن دلالة الواحد على الواحد كدلالة الاثنين على الاثنين، ألا ترى إلى قوله تعالى: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}⁣[النور: ٤] دلت بالمنطوق على كل جلدة تضمناً وعلى الثمانين مطابقة؟!، ولا يجوز الإخلال بواحدة مما اقتضاها العدد.

  وأجمع العلماء على أن قوله ÷: «خمس صلوات كتبهن الله ....» نصٌّ في الخمس لا بالمفهوم، وإنما يكون مفهوم عدد في غير ما تم النطق به في زيادة كزيادة صلاة العيد - مثلاً - أو الوتر، أما المنطوق فصريح في المطلوب، وليس من المفهوم في شيء.

  والمسألة ظنية وفيها أربعة أقوال للعلماء: شاهدان في صوم وإفطار، شاهد للصوم وللإفطار، وشاهد للصوم، وشاهدان للإفطار.