الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

وجوب القضاء على من أفطر ناسيا

صفحة 26 - الجزء 2

  الإمساك في بعض النهار لا يكون أتمَّ صيامَه. اهـ.

  وهكذا قول الإمام، ويجيء بقول من خالف بلسان طهور وقلب سليم، لا يَفْري بها أديماً، ولا يجرح مسلماً؛ لأنهم يعلمون أنهم هم الطيبون، وقد حكم الله لهم بالطيبات، ولعدوّهم بالخبيثات، فقال سبحانه: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ}⁣[النور: ٢٦] وبقوله ÷: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له)، فيشن الشوكاني عليهم حملة شعواء كأنهم جاؤوا بفاقرة في الدين، أو تحريف للكتاب المبين، والأمر أهون من هذا! وتعليل الإمام # هذا قد علل به علماء الحنفية تبياناً لمذهب الإمام مالك؛ لأنه من الأئمة الذين قالوا بقول الإمام بناء على قاعدة (أن النسيان لا يسقط ضمان حق الغير، وأنه مسقط للإثم فقط لا للضمان) كمن يتكلم بكلام الناس ناسياً في الصلاة، لا إثم عليه؛ لنسيانه، وعليه القضاء إجماعاً.

  وكمن جامع وهو محرم ناسياً لا إثم عليه، ولا يسقط الضمان بل عليه الإعادة، والقواعدُ والكليات التقيد بها ألزمُ من التقيد بآحادي ظني، على أن لفظ الحديث النبوي «فإنما أطعمه الله وسقاه» ليس بصريح بإسقاط الضمان، غايةُ ما هنالك إسقاط الإثم؛ لقوله ÷: «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان»، وحديث «فليتم صومه» الذي شن الشوكاني من أجله على الإمام غارة شعواء وجهّله، له محمل قوي؛ لأن الصوم بالإجماع له حقيقة لغوية: وهو مطلق الإمساك، وحقيقة شرعية: وهو إمساك موقّت ابتداء وانتهاء، والنبي ÷ حينما يخاطبنا لا يجوز حمل كلامه إلا على الحقيقة الشرعية التي جاء بها لا اللغوية؛ لأنها المتبادرة والمقصودة، والحقيقة اللغوية قد أصبحت مجازاً بجانب الشرعية، فقوله: «فليتم صومه» ينصرف إلى حقيقة شرعية، والحقيقة الشرعية: الصوم من الفجر إلى الغروب، وهو مراد الإمام #.

  ثم إن الشوكاني حمل حملة مسعورة على الإمام حينما قال: (ويحتمل أن يكون الراوي زاد هذا اللفظ ... إلخ) اهـ كلام الإمام.

  وهاهي جملته بين يديك وما فيها من سخرية وقَذَر واستهزاء، ثم وقع في نفس البحث فيما عابه على الإمام فقال في السطر الحادي عشر - عدّاً من آخر البحث فما فوق -: «وهي