الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

(جواز الإفطار لمن كان متطوعا لا قاضيا)

صفحة 55 - الجزء 2

  النبي ÷ بأنه أخر البيان عن وقته!

  وغرضه في بحثه هذا استحلال الفطر في صوم واجب كما يحل في التطوع، ورأيه هذا مردود من طريقين هما: المنع، والمعارضة، أما المنع: فلا نسلم صحة الدعوى؛ لمخالفتها لإجماع العلماء سلفًا وخلفًا، وهاهي كتب العلماء بين أيدي الناس لا يوجد قول لقائل عالم يعتد بقوله: (إنه يجوز الخروج من صوم واجب بلا عذر)!، وها هو (شرح الأزهار) المتلقى نقله بالقبول عند كل من يعرفه، وها هو (البحر الزخار الجامع لأقوال علماء الأمصار)، والذي قال عنه العلامة محمد بن إبراهيم الوزير |:

  غرق الضلال ببحرك الزخار ... فافخر على الأقران أيَّ فخار

  صحيح أنه غرق الضلال، غرقت أقوال الضُّلال المخالفة لإجماع الأمة عامة وأهل البيت خاصة، وما الخلاف بين علماء الإسلام إلا في الخروج من النافلة، واتفقوا على عدم الخروج من الحج ولو نفلًا، والأكثر على منعه في الصلاة، وفي الصوم النافلة منعه الأحناف، وبعض الأعلام.

  وأما المعارضة: فإليك ما أنقله من (السنن الكبرى) للبيهقي [باب صيام التطوع والخروج منه] ج ٤ ص ٢٧٤ - ٢٧٥: بسنده إلى عائشة قالت: قال رسول الله ÷: «هل عندك شيء»؟ قالت: قلت: لا والله ما عندنا شيء، فلما رجع رسول الله ÷ قالت: يا رسول الله، أهديت لنا هدية، أو جاءنا زَوْرٌ⁣(⁣١)، وقد خبأت لك شيئا، قال: «ما هو»؟ قلت: حَيْس⁣(⁣٢)، قلت: «هاتيه»، فجئت به فأكل، ثم قال: قد كنت أصبحت صائمًا. قال أبو عبدالله: لفظ العقدي رواه مسلم في الصحيح عن أبي كامل الجحدري. وفي ص ٢٧٦ حديث أم هانئ ولفظه: أتي رسول الله ÷ بشراب يوم فتح مكة فشرب، ثم ناولني فشربتُ وكنت صائمة، فكرهت أن أرد فضل رسول الله ÷ فقلت: يا رسول الله إني كنت صائمة، فكرهت أن أرد فضل رسول الله ÷؟ فقال لها: «أكنتِ تقضين عنك شيئًا»؟


(١) زور: زائر.

(٢) تمر يخلط بسمن وإقط فيعجن شديدًا، وربما جعل فيه سويق. اهـ قاموس.