الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

لا يصوم أحد عن أحد

صفحة 59 - الجزء 2

  ينتهض لمعارضة هذا الحديث لكان غاية ما هناك أن يجوز الإطعام إذا لم يفعل الولي الصوم» اهـ كلامه.

  أقول: لا يصوم أحد عن أحد، ولا يصلي أحد عن أحد حتى لو كانت الكلمة وقفاً على بعض السلف؛ فاعتمادها والعمل بها هو الذي يتعين؛ لأنه هو الذي اتفق وأصول الشريعة، وقواعدها ونصوص القرآن المتين. {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}، {بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون}، {وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى}، {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا} هذه الآيات ونحوها أساطين الدين، وأركان اليقين، لا تزعزعها أحاديث ظنية، ولا تخاريص شوكانية، لا سيما أن قوله ÷: «لا يَصومُ أحد عن أحد، ولا يصلي أحد عن أحد» بلفظ الخبر، والخبر لا ينسخ، إنما ينسخ الأمر والنهي؛ لأن نسخ الخبر يؤدي إلى الكذب، وإنما يجوز تخصيصه بما يساويه أو يقاربه، وأيضًا عليه الفتوى من السلف حتى من الذين أوردوا حديث: «من مات وعليه صوم صام عنه وليه» وإذا جاءت فتواهم بخلاف روايتهم وهم على جانب متين من التقوى وجب أن يؤول، فمنهم مَنْ أوّله بوجود الناسخ؛ إذ من البعيد جرأتهم على فتوى بخلاف قضاء رسول الله ÷، وقد علموه ورووه ولم ينسخ.

  والتأويل الثاني: كما في شرح الزرقاني لموطأ مالك: أن القضية في صوم نذر لا فيما كتبه الله في كتابه على عباده، فيكون حديث: «لا يصوم أحد عن أحد ...»، و «لا يصلي أحد عن أحد» متجهًا لما أوجبه الله سبحانه، وحديث: «صومي عن أمك»، أو «.... صام عنه وليه» لما وجب بالنذر.

  قالوا: وقد وجد في بعض الروايات: أن امرأة ركبت البحر على عهد رسول الله فنذرت إنِ اللهُ أنجاها لتصومَنَّ، فأنجاها، ثم لم تصم حتى ماتت، فجاءت ابنتها إلى رسول الله ÷، فقالت: يا رسول الله إن امرأة ماتت وعليها صوم أفأصوم عنها؟ قال: «صومي عن أمك». وفي بعض الروايات: «نذرت به»، كما في شرح الزرقاني لموطأ مالك، باب الصوم ج ٢ مختصرًا، والعلم لله.