المنع من فسخ الحج إلى العمرة
  الحل؟ قال: «الحل كله» اهـ المراد من نصب الراية ج ٣ ص ١٠٦.
  وفي (بداية المجتهد) لابن رشد ج ١ ص ٣٤٦ ما لفظه: وهناك نوعان من التمتع اختلف العلماء فيهما: أحدهما: فسخ الحج إلى عمرة [وهو تحويل النية من الإحرام بالحج إلى العمرة]؛ فجمهور العلماء يكرهون ذلك من الصدر الأول وفقهاء الأمصار. وذهب ابن عباس إلى جواز ذلك. وبه قال أحمد، وداود، وكلهم متفقون أن رسول الله ÷ أمر أصحابه - عامَ حَجَّ - بفسخ الحج في العمرة، وأنه لم يفسخ، وثبت قوله ÷: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سُقْتُ الهَدْي ولجعلتُها عمرة»(١)، وأمْرُهُ لمن لم يسق الهدي من أصحابه أن يفسخ إهلاله في العمرة، وبهذا تمسك أهل الظاهر، والجمهور رأوا ذلك من باب الخصوص لأصحاب رسول الله ÷؛ واحتجوا بما روي عن ربيعة بن أبي عبدالرحمن، عن الحارث بن بلال بن الحارث المدني، عن أبيه، قال: قلت: يا رسول الله الفَسْخُ لنا خاصة أم لمن بعدنا؟ قال: «لنا خاصة»(٢). وهذا لم يصح عند أهل الظاهر صحةً يعارَض بها العملُ المتقدم، وروي عن عمر أنه قال: «متعتان كانتا على عهد رسول الله أنا أنهى عنهما، وأعاقب عليهما: متعة النساء، ومتعة الحج»(٣)، وروي عن عثمان أنه قال: متعة الحج كانت لنا وليست لكم. وقال أبو ذر: ما كان لأحد بعدنا أن يُحْرِم بالحج ثم يفسخه في عمرة. هذا كله مع ظاهر قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} اهـ المراد. وأنت ترى أن الأثر الذي أورده الإمام عن الفسخ فأجيب بما أجيب، والأثر الذي أورده الشوكاني في العمرة - وسيأتي قريبًا - وأنها دخلت في الحج إلى يوم القيامة، ثم إنه لم يؤثر عن أحد من الصحابة أو من الخلفاء أو علماء التابعين فعل هذا؛ لأنها إنما كانت لمحو بدعة جاهلية خبيثة.
  ثم قال الشوكاني: «قد رَوَى الفسخَ عنه ÷ أربعة عشر رجلًا من الصحابة ...» اهـ كلامه.
  أقول: قول الشوكاني: «إنه قد روى الفسخ عن رسول الله أربعة عشر صحابيًّا» اهـ، إن كان يقصد أن النبي فسخ حجته إلى عمرة فهو خلاف الواقع؛ فالثابت أنه وكُلَّ مَنْ ساق هديًا لم يفسخوا. وإن أراد أنه أمر بذلك مَنْ لم يكن معه هدي فصحيح.
(١) رواه البخاري ومسلم، وأبو داود.
(٢) رواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجة.
(٣) رواه الطحاوي وغيره.