تحريم استمرار التطيب إلى ما بعد الإحرام
  فالأثر منها ما روي عن عائشة أنها قالت: طيبتُ رسول الله لإحرامه ولحله. وفي بعض الروايات: لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت. وقد روي عن ابن عمر: لَأَنْ أَطَّلِيَ بالقَطِرَان أحبُّ إِليَّ من هذا، فبلغ عائشةَ خبرُ ابن عمر، وفي رواية: أن ابن عمر أرسل بعض بنيه إليها ليبلغ عمرَ ما تقول، فقالت: رحم الله أبا عبدالرحمن، كنت أطيب رسول الله فيطوف بنسائه ثم يصبح ينضح منه الطيب.
  وحديث صاحب المقَطَّعَة التي أحرم صاحبها وهي عليها وهي ملطِّخة بَدَنه بالطيب، وأمره إياه بأن يغسلها ويَخْلعها ويغسل الطيب عن بدنه.
  فذهب بعضهم إلى اختصاص رسول الله ÷ بذلك؛ لنهيه الناس عنه وإحرامه على إثر الطيب، حكى ذلك الزرقاني في (شرح الموطأ) في الجزء الثاني، ورجح هذا القول - أعني اختصاص النبي ÷ - ابن عبدالبر، حكاه عنه الزرقاني.
  ورُدَّ بأن نساء النبي ÷ ونساء المؤمنين كن يفعلن ذلك كما ورد في حديث عائشة أنهن كن يَضَعْنَ الطيب على رؤوسهن ويسيل على جباههن ويراه النبي ÷ فلا ينكر، فمنهم من رجح التحريم على المحرم مطلقًا سواء تطيَّب قبل إحرامه أو بعده إذا بقي له أثر؛ ترجيحًا للحظر على الإباحة، وأخذاً - في صحة الحج - بالأحوط؛ ولحديث صاحب المقَطَّعَة؛ ولأن حجَّ من اجتنب الطِّيب صحيح إجماعًا، ولا إثم ولا فدية، وذهب بعضهم إلى نسخ حديث ثاحب الجُبَّة؛ لسبقه تأريخًا؛ لأنه سنة ثمان، وحديث عائشة سنة عشر، ورُدَّ بأنه لو كان ثَمَّ نَسْخٌ لما خفي على عمر وابن عمر وعثمان ... إلخ؛ فقد كانوا ينهون عنه(١) وينأون عنه، وذهب آخرون إلى جوازه بشرطين: أن يكون للرجل بطيب الرجال المباح لهم، لا المنهي عنه، وأن يكون في البدن لا في الثياب؛ لما في بعض روايات عائشة أنها كانت تُطَيِّب رأس رسول الله ÷، وأنها كانت ترى وبيص(٢) الطيب في شعره ومفارقه(٣)، وأن يكون بعده الغسل والإحرام كما هو ظاهر حديث عائشة: كنت أطيبه لإحرامه قبل أن
(١) عن التطيِّب.
(٢) الوبيص: البريق واللمعان.
(٣) المفارق جمع مفرق وهو وسط الرأس حيث يفرق فيه الشعر.