الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

وجود التفرقة بين أفعال الحج ومناسكه

صفحة 141 - الجزء 2

وجود التفرقة بين أفعال الحج ومناسكه

  قال الشوكاني: «قوله: دل ذلك على وجوب ما رويناه من فعله ÷ ... إلخ. أقول: ينبغي الحكم لكل فعل بالوجوب كائنًا ما كان حتى ينتهض ما يصلح لجعله قرينة صارفة عن المعنى الحقيقي إلى المعنى المجازي، وهو الندب، والمصنف قد أوضح في مثل هذا أنه لا دليل على التفرقة عنده في الأفعال التي ذكرها إلا مجرد ما حكاه من الإجماع الذي يرى حجيته .... إلخ، وقد قدمنا أن القول بأن بعض ما فعله ÷ نسك وبعضه غير نسك محتاج إلى دليل يقتضي أن هذا هو النسك دون هذا .... إلخ» اهـ كلامه.

  أقول: نظم كلام الشوكاني غير مركب تركيبًا صحيحًا؛ والظاهر أن ثَمَّ سقطًا وهو في حد ذاته بالنسبة إلى المعنى غاية في السقوط، ونهاية في الهبوط، وكل عاقل يربأ بنفسه عن التدلي فيما لا يليق، فيمسك بقلمه عن مثل هذه المقالة؛ لأنها مجرد دلالة على الإخفاق في باب المناظرة، والعي والحصر في باب المغالبة؛ لأن كون بعض أفعاله ÷ واجبة أو نسكًا، وبعضها ليس بنسك ولا واجب في غاية الوضوح؛ فهو ÷ قد أهلَّ من الميقات، واغتسل وأحرم وركب ناقته، فلم يقل أحد: إن ركوب الناقة واجب أو نسك، مع أنه من جملة أفعاله في ذلك الوقت. ثم إن الفقيه نفسه لا يمكن أن ينكر الفرق بين طواف الزيارة وبين طواف الوداع - مثلًا - أو القدوم. وهل يستوي المبيت بمنى - وقد زعم الفقيه أنه لمجرد المبيت لا غير -، والمبيت بجَمْع⁣(⁣١) ليلة الإفاضة؟! وهل يستوي مشيه من الجمرة الصغرى إلى الكبرى، ومشيه في المشعر الحرام؟! وهل يستوي وقوفه بعرفة ووقوفه بنمرة قبل عرفة؟! إلى آخر ما هنالك. فالفروق واضحة وضوح الشروق، لا تعمى عنه عين ناظر، ولا ذهن مناظِر، فمن حق مقاله هذا أن يُدْفَن حتى لا يُزَنَّ قائلُها بنهاية الجهل، ولا يُؤْبَن⁣(⁣٢).


(١) عَلَم للمزدلفة.

(٢) يُزَنّ ويُؤبن هنا بمعنى يُتَّهم، تمت شيخنا.