الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

القران

صفحة 168 - الجزء 2

  لسمح لهم بالمبيت في مكة، ويَغْدون صباحًا للرجم، لكنه لم يرد هذا.

  ثم ما فائدة قوله تعالى: {فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ}⁣[البقرة: ٢٠٣] وهو غير بائت في منى؟! وهو أيضاً رأي الفقيه في غير هذا الكتاب. قال في (الجرار) ج ٢ ص ١٨٠ ما لفظه: قوله: الثامن: المبيت بمنى ... إلخ. أقول: قد ثبت ذلك من فعله ÷ الواقع بيانًا لمجمل القرآن والسنة، فأفاد ذلك فَرْضيته، ويؤيده ما تقدم من ترخيصه للرعاء في البيتوتة، فإن الترخيص لهم يدل على أنه عزيمة على غيرهم، وهكذا رخصه ÷ للعباس؛ فإنه يدل على أنه عزيمة على غيره، وبذلك تتأكد الفرضية. اهـ كلامه من (جراره)!

  أليس هذا من العبث واللعب بشريعة الله، وجعلها خاضعة للرأي والمزاج؟! ثم إنك لا تجد مثل هذا التناقض لأي عالم قط، ولا يخطر صدور مثله من مؤمن قط؛ لأن التقوى ومخافة الله حاجز عن ذلك، وقد يتحاشى غير تقي عن هذا من دون نظر إلى المأثم⁣(⁣١)، بل لأنه سيُفقِدُه الثقة عند من يثق به حتى فيما كان له رأي صحيح؛ لأنه سيقيسه على ما قد تَنَاقَضَ فيه وتَهَافَتَ.

  والظاهر أن شدة حرصه على الظهور، ودعوى حيازة الحق، واجتناء الحقيقة، والاختصاص بالإصابة، ورَمْي غيره بالغلط والتقصير، وضعف النظر، وعدم فهم الأمور على سننها أوقعه فيما أوقعه.

  فالشر لا يثمر إلا شرًّا، والتعالي مَقْرونٌ بالذل، وحبُّ الذات مقرون بالفشل. والله الموفق.


(١) أي الإثم.