الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

المماثلة

صفحة 223 - الجزء 2

المماثلة

  قال الشوكاني: «فصل: في ذكر ما حفظ عن السلف الصالح في المماثلة ... إلخ، أقول: لا يخفى أن الله ø قال: {فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ}⁣[المائدة: ٩٥]، فهاهنا أمران: أحدهما: اعتبار المماثلة. الثاني: حكم العدلين. وظاهره أن العدلين إذا حكما بغير المماثل لم يلزم حكمهما؛ لأنه قال: {يَحْكُمُ بِهِ}، أي بالمماثل، وحق العدالة ألا يقع من صاحبها الحكم بغير المماثل إلا لغلط أو طرو شبهة بأن المعتبر في المماثلة هو هذا الوصف دون هذا الوصف، والواقع بخلافه، ثم الظاهر أن العدلين إذا حكما بحكم في السلف لا يكون ذلك الحكم لازمًا للخلف!، بل تحكيم العدلين ثابت عند كل حادثة في قتل الصيد» اهـ كلامه.

  أقول: التركيب في اللفظ لا يقتضي التركيب في المعنى؛ لأن معنى قوله تعالى: {فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ}⁣[المائدة: ٩٥] معنى واحد غير مركب، ولا متعدد، وهو أن على قاتل الصيد ما حَكَمَ به العَدْلان، أما اشتراط المماثلة واعتبارها فهي راجعة إلى الحَكَمَيْنِ، وهي أساس الحكم، وليس للمحكوم عليه أن يُنَاقِضَ بمماثلة أو غيرها بعد حكم العدلين.

  ويشهد لهذا ما رواه صاحب (الكشاف): أن عمر رُفِعَ إليه أن قبيصة أصاب ظبيًا، فسأل عمر، فدعا عبدالرحمن بن عوف، ثم أمره بذبح شاة، فقال قبيصة: ما علم عمر حتى شاور غيره، فأقبل عليه عمر ضربًا بالدِّرَّة، وقال: أَتَغْمِصُ الفتيا وتقتل الصيد وأنت محرم؟ قال الله تعالى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ} فأنا عمر، وهذا عبدالرحمن بن عوف اهـ. فليس هناك شيء متعدِّد بالنسبة إلى الجاني، وإنما عليه قبول حكم العدلين والنظر في المماثلة راجع إلى الحَكَمَيْنِ.