الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

صحة النذر بالمشي إلى بيت الله الحرام

صفحة 250 - الجزء 2

صحة النذر بالمشي إلى بيت الله الحرام

  قال الشوكاني: «قوله: دل ذلك على أن النذر في المشي - إلى بيت الله - قُرْبَةٌ ... إلخ. أقول: أما إذا كان فيه إتعاب للنفس، وإعنات لها فليس بقربة، ولا يجب الوفاء به؛ لحديث: «إن الله لغني عن تعذيب هذا لنفسه» ومع العجز يجوز الركوب. وأما النذر بذبح النفس، أو الولد، أو العبد فلا يجوز أن ينشيه متدين فضلًا عن أن يلزمه بسببه ذبح كبش؛ فهذا من النذر بصريح المعصية، والنبيُّ يقول: «لا نذر في معصية الله، وإنما النذر في الطاعة» والاستدلال بكون ذلك ثابتاً في شريعة إبراهيم غفلة عن وقوع ما يخالفه في شرعنا، ومثل هذا من نذر بأن يُهْدِي شخصًا إلى البيت الحرام؛ فإنه نذر باطل بنص: «لا نذر في معصية الله»، ولا فيما يملك العبد، وهذا نذر بما لا يملك» اهـ كلامه.

  أقول: الظاهر أن مجرد التعب والإعنات لا يكون مبطلا للنذر؛ لأن التعب قد وجد في الفرائض التي فرضها الله، ولا مفر منها: كالحج على ذي المسافة البعيدة بقطع عدة مراحل حتى يبلغ البيت العتيق. والجهاد فُرِضَ وفيه بذل النفس والمال في سبيل الله ø، وفيه مشقة عظيمة.

  وأما قوله: «ولا يجب الوفاء به» اهـ. فإليك تناقضه في (الجرار) ج ٢ ص ٢١٧ حيث قال ما لفظه: قوله: (فصل: ومن نذر أن يمشي إلى بيت الله لزمه لأحد النسكين) أقول: أما لزوم الوفاء فلما ورد من الوفاء بالنذر إذا كان في غير معصية الله! اهـ كلامه من (جراره).

  ثم إن الدليل الذي استدل به: «إن الله لغني عن تعذيب هذا نفسه» أخص من الدعوى، ولا يصح الاحتجاج بدليل أخص؛ لأنه ما كل تعبٍ تعذيبًا، فإذا كان ثَمَّ تعذيبٌ أو ضرر على الإنسان في نفسه أو إجحاف بماله فلا، وأما مناقشته فيمن نذر بذبح ولده؛