(بيان كون النكاح حقيقة في العقد)
  العقد(١)، وإليك سندا لقوله ما يلي: أولا: في (معاني مفردات القرآن)، للإمام العلامة الراغب الأصبهاني من مادة: نكح ص ٢٢٦ ما لفظه: أصل النكاح(٢): العقد ثم استعير للجماع، ومحال أن يكون في الأصل للجماع ثم استعير للعقد؛ لأن أسماء الجماع كلها كنايات؛ لاستقباحهم ذكره كاستقباح تعاطيه، ومحال أن يستعير مَنْ لا يَقْصِدُ فُحْشاً اسمَ ما يستقبحونه لما يستحسنونه، قال تعالى: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ}[النور: ٣٢]، {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ}[الأحزاب: ٤٩]، {فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ}[النساء: ٢٥] إلى غير ذلك من الآيات انتهى المراد. ومن (لسان العرب) مادة نكح ج ١٤ ص ٣٥٠: نكح ينكح نكحًا إذا تزوج، واستنكحها ونكحها ينكحها: باضَعَها. اهـ المراد. إلى أن قال: وقد قال سبحانه وتعالى: {الزَّانِي لاَ يَنكِحُ إلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ}[النور: ٣] تأويله: لا يتزوج الزاني إلا بزانية، وكذلك لا يتزوجها إلا زان، وقد قال قوم: إن معنى النكاح هنا الوطء، والمعنى عندهم أن الزاني لا يطأ إلا زانية، والزانية لا يطأها إلا زان، وهذا القول يبعد؛ لأنه لا يُعْرَفُ شيءٌ من ذكر النكاح في كتاب الله تعالى إلا على معنى التزويج، قال تعالى: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى}، {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ}، واعلم أن عقد التزويج يسمى النكاح. انتهى المراد.
  فأنت ترى أن العالم اللغوي صاحب (اللسان) متفق مع العالم الرباني الأصبهاني، ومتفقان لما حكاه الشوكاني عن العلامة الزمخشري، وأن كل ألفاظ النكاح في القرآن لم ترد إلا في العقد.
  ثم إن الشوكاني استبعد إرادة العقد وجزم بإرادة الوطء في قوله تعالى: {حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}، وادعى إجماع الأمة على قوله وهو غلط؛ لأن شرط الوطء في صحة التحليل ليس من قوله تعالى: {حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}، وإنما من قوله ÷: «لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك»، ولهذا فإن المرأة العربية صاحبة القصة قد فهمت أن النكاح هو العقد، وأرادته سبباً لعودها للأول وفي ذلك دليل على أنها هي الحقيقة الشرعية المتبادرة عند الإطلاق.
(١) كقوله تعالى: {إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا}.
(٢) الأصل هنا بمعنى الحقيقة. تمت شيخنا.