الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

(بيان كون النكاح حقيقة في العقد)

صفحة 257 - الجزء 2

  ثم قال الشوكاني: «وكذلك ما ورد في كتاب الله من ألفاظ النكاح للمملوكات لا يكون إلاّ للوطء، ولا يمكن أن يراد به العقد؛ إذ لا عقد هناك» اهـ.

  أقول: هذا خطأ فاحش، وجهل متفاحش، وزلل بيِّن، وغلط متعيِّن؛ فالتي لا يشترط في نكاحها عقد هو نكاح⁣(⁣١) المالك لمملوكته، وهو غير مراد الله في قوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم}⁣[النساء: ٢٥]، ولا في قوله: {فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}⁣[النساء: ٣]؛ فالمراد هنا التزويج بأمة، والعقد عليها عند الضرورة، وعدم القدرة على المحصنات الحرائر، وفي غير الضرورة لا ينبغي؛ لأنه يُعِّرض أولاده للرق؛ لأنهم سيكونون ملكًا لمالك أمهم؛ لأن الولد لا يلحق بأمه إلا إذا كان من مملوكة لغير واطئها، أو ابن زنا، وفي غيرها ملحق بأبيه، فكلام الإمام في غاية المتانة.

  ثم لا يخفاك أن النكاح حقيقة في العقد عند العترة الطاهرة $، والإمام الشافعي | وهو حقيقة في الوطء عند الإمام أبي حنيفة |، ولما لم يجد العالم المحقق الحنفي ابن الهمام آيةً ذُكِرَ فيها النكاح مراداً به الوطء لجأ إلى أحاديث دلت على إرادة الوطء بالنكاح؛ كقوله ÷: «لعن الله ناكح يده»، وإلى كلام العرب؛ لأنه يعلم يقينًا أن كلمة النكاح في كتاب الله ø لا يراد بها إلا العقد؛ فهو الحقيقة الشرعية الثابتة.

  ولو فرضنا أنه كان في اللغة: حقيقة في الوطء مجازاً في العقد، فقد أصبح في لسان القرآن حقيقة شرعية في العقد مجازاً في الوطء، كسائر الحقائق الشرعية المنقولة: كالصلاة، والصوم، والزكاة. ولما كان المراد هو التزويج والعقد لا الوطء في نكاح الإماء - ختمه سبحانه وتعالى بقوله: {ذَلِكَ} أي إباحة التزويج بالإماء {لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَّكُمْ}⁣[النساء: ٢٥]. أما لو كان المراد النكاح بالملك - كما فهمه الشوكاني - ففيه خير كثير؛ لأنها سيعتقها ولدها؛ ولأنها ستصير أم ولد، وولدها حر، فافهم هذا؛ فقد زلت فيه قدم الفقيه وقلمه؛ فالحق أحق أن يتبع.


(١) المراد هنا الوطء.