الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

(تحريم نكاح أم الزوجة سواء دخل بابنتها أم لا)

صفحة 260 - الجزء 2

  ثم قال: «ورجوعه [أي القيد] إلى الجميع يقويه أن أمهات النساء وبناتهن جهة التحريم فيهن واحدة هي كون الجميع قرابة الزوجة؛ فاشتراط الدخول في البعض دون البعض محتاج إلى وجه وجيه يقتضي التفرقة، ولا وجه باعتبار الآية؛ لأن عود القيد إلى الجميع أعني قوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ}⁣[النساء: ٢٣] يقويه ما ذكرنا كما يقوي رجوعه إلى الربائب فقط كونه مذكور⁣(⁣١) [كذا] عقيبه» اهـ كلامه.

  أقول: قد تناقض الفقيه تناقضا واضحا؛ إذ ادعى أنه لا فضل لإحدى المحرمتين على الأخرى حتى تُخَصَّ بعود الضمير إليها. وجعل العلة هي القرابة، وكل واحدة منهما قريبة للزوجة، وأن اشتراط الدخول في إحداهما دون الأخرى يحتاج إلى دليل، ثم قال: «كما يقوي رجوعه إلى الربائب؛ كونه مذكور [كذا] عقيبه» اهـ.

  أقول: قد سبق أن قدمنا لك عن أعلام يتعين الرجوع إلى نقلهم أن النكاح في كتاب الله مراد به العقد لا الوطء، وهاهنا قوله: {وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ} سيقت لبيان تحريم نكاحهن أي نكاح أم المرأة، فمتى عقد على امرأة صارت أمها - بالعقد على ابنتها - حرامًا بمجرد العقد سواء دخل بابنتها أم لا، فيتعين أن قيد الدخول في التحريم ليس لأم المرأة. وأي فائدة وقد حرمت بالعقد؟!

  ثم إن تحريم أم الزوجة بمجرد العقد على ابنتها هو إجماع العترة، وإجماع سائر الأمة، إلا من شذ، قال في (بداية المجتهد) ج ٢ ص ٣٤ ما لفظه: وأما الأم فذهب الجمهور من كافة فقهاء الأمصار إلى أنها تحرم بالعقد على البنت دخل بها أو لم يدخل، وذهب قوم إلى أن الأم لا تحرم إلا بالدخول على البنت كالحال في البنت (أعني أنها لا تحرم إلا بالدخول على الأم) وهو مروي عن علي وابن عباس من طرق ضعيفة، ومبنى الخلاف هل الشرط في قوله تعالى: {اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ}⁣[النساء: ٢٣] يعود إلى أقرب مذكور وهم الربائب فقط، أو إلى الربائب والأمهات المذكورات قبل الربائب في قوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ}⁣[النساء: ٢٣] فإنه يحتمل أن يكون قوله: {اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ} يعود على


(١) قال شيخنا: الصواب أن يقال: مذكوراً.