الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

(تحريم الزيادة على الأربع)

صفحة 273 - الجزء 2

  على التوزيع والتقسيم؟! أو لكل واحد منهم تسعة أجنحة، إنما المعنى: منهم من له جناحان، ومنهم ذو ثلاثة أجنحة، ومنهم ذو أربعة، يعني أن جميعهم محصورون في هذا العدد، ليس منهم ذو جناح واحد، ولا ذو خمسة، ولو كان العدد الثاني كما زعم الشوكاني باقياً قبل نفاذ الأول، فلماذا لم يقل: لهم تسعة أجنحة؟! من أول مرة!

  ثم إن الفقيه يطالب بنقل عن إمام من أئمة اللغة، وطلبه هذا مما يُكْذِب نقلَه في صدر انتقاده، حيث ادعى إجماعهم على ما نقل؛ والدليل عليه أنه لم يعزه إلى إمام ولا إلى كتاب، ثم هلا قنع - بدلا عن إمام من أئمة اللغة - برجل من أهل اللغة من قريش الذين هم أفصح الناس، وبلغتهم نزل القرآن؟! من أُطْلِقَ عليه بحق حَبْرُ الأمة، فأي الرجلين أحج، وأقطع للّجج؟! الأزهري مثلاً أو ابن عباس؟!

  لقد تجرأ على رد تفسير ابن عباس بقوله: «هو واحد من الأمة» اهـ، وكأن الأصمعي، أو الخليل، أو أبا عمرو بن العلاء ليس واحداً من أهل الأمة، على أن العلماء قد أسسوا اللغة بقول أعرابي، شعر أو مَثَل، أو كلمة، فأين هذا الأعرابي من عَلَمٍ من أعلام قريش: لغة، وعلماً، وديناً؟! وهو من دَعَا له الرسول ÷ بقوله: «اللهم علِّمه التأويل».

  ثم اعلم أرشدك الله أن قوله تعالى: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ}⁣[النساء: ٣] لم يكن الغرض المهم منها تحليل النكاح؛ لأنه كان حلاً ومباحاً من قبل، والناس من قبل نزول سورة النساء ناكحون حرائر و إماءً، ولهذا فإن فحول محققي الأصول يرون أن الغرض الأهم من الآية الذي سيقت له هو الحد والمنع من الزيادة على الأربع، لا لتحليل النكاح، وِزَانُه وِزانُ قولك، وقد أشرفت على ولدك وهم يأكلون: كلوا ولا تعبثوا؛ فليس الغرض إباحة الأكل، وإنما نهيهم عن العبث؛ ومنه قوله تعالى: {وكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا}⁣[الأعراف: ٣١]؛ فالغرض ليس حل الأكل وإنما المقصود الذي ينصب إليه الخطاب هو النهي عن الإسراف، ومنه قوله ÷: «بيعوا الذهب بالذهب، والفضة بالفضة يداً بيد مثلًا بمثل» ... إلخ؛ فليس الغرض أمرهم بالبيع، وإنما الغرض نهيهم عن الربا نسيئة أو فضلًا.