وقوع الطلاق البدعي
  أقول: اعلم أن الشيء إذا وجدناه موصوفًا بصفة وللوصف تأثير على الموصوف بحيث لا يقبل ولا يعمل به إلا مقيداً بذلك الوصف؛ فإن ذلك الوصف الذي تقيد به الموصوف لا يقبل إلا إذا كان من جهة الشرع؛ لأنه قيد للموصوف يمنع العمل به إلا معه، ويمنع من صحته إلا بوجوده، وإذا لم يكن الوصف محمّديًّا فهو مُلْغَى، ولا تأثير له على الموصوف؛ لأنه هو في نفسه بدعة، وكل بدعة ضلالة؛ ولعدم ذوق الفقيه احتج بما هو عليه. ثم إن هناك فرقًا بين كون الشيء بدعة وهو مسمى بالبدعة، وبين كونه موصوفًا بها؛ لأن البدعة لا أصل لها في الشرع، ولا دليل على أساسها وقاعدتها، والموصوف بالبدعي كالطلاق أصله ثابت وفرعه في السماء ثابت بكتاب الله وسنة رسوله ÷؛ فهو معتبر إجماعًا، وإنما طرأ عليه مخالفة في بعض صوره(١)، وهذا العرف لا يخرجه عن كونه طلاقًا، ولهذا قيل: طلاق بدعي؛ فقد سموه طلاقا بالإجماع، ولو لم يكن طلاقًا مؤثرًا لما غضب رسول الله ÷؛ لأنها مجرد كلمة لا تأثير لها - كما زعم الفقيه - في العقد، ولا إثم فيها؛ لأنها ليست شتمًا ولا كلمة كفر، فما غضب ÷ إلا لأنها كلمة مؤثرة في عقد الزواج، ولماذا قال ÷: «مره فليراجعها»؟! وأقرب من هذا - لو لم تؤثر - أن يقول: ليست(٢) بشيء، هي زوجته.
  وطلاق البدعة يتناول إرسال أكثر من واحدة دفعة واحدة، وطلاق الحائض، وطلاقها في طهر جامعها فيه، لكنه هنا أراد طلاق الحائض؛ لاستدلاله بحديث ابن عمر. وعنى بإرسال الثلاث دفعة ما في آخر بحثه، وكلاهما واردان عن رسول الله ÷.
  أما طلاقها حائضًا فلما عند البخاري ج ٦ ص ١٦٣ ولفظه: باب إذا طلقت الحائض يعتد بذلك الطلاق: حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا شعبة، عن أنس بن سيرين، قال: سمعت ابن عمر قال: طلق ابن عمر امرأته وهي حائض فذكر عمر ذلك للنبي ÷،
(١) من صور الطلاق البدعي:
١ - أن يطلقها ثلاثاً دفعة واحدة نحو (أنت طالق ثلاثاً) فالجمهور على وقوعه إلا أن منهم من قال: تحسب الثلاث طلقة واحدة فقط - وهو المذهب - ومنهم من قال: تقع ثلاثاً ولا تحسب واحدة.
٢ - أن يطلقها وهي ليست طاهرة كالحيض والنفاس.
(٢) أي الطلقة حال الحيض.