الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

بطلان حديث (أين الله؟)

صفحة 357 - الجزء 2

  المذكورة لا تثبت توحيداً ولا تنفي شركاً، فكيف يصف النبي صاحبها بأنه مؤمن؟! كان المشركون يعتقدون أن الله في السماء ويشركون معه آلهة في الأرض، ولما جاء حصين بن عتبة أو ابن عبيد - والدعمران - إلى النبي ÷ سأله: (كم تعبد من إله؟) قال: ستة في الأرض وواحد في السماء⁣(⁣١)، وقال فرعون لهامان: {فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى}⁣[القصص: ٣٨] لاعتقاده أن الله في السماء، ومع ذلك قال لقومه: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} وقال لهم: {مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي}⁣[القصص: ٣٨] اهـ المراد

  ثانياً: أن الحديث الذي ذكره الشوكاني لو عُرض على قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} لتلاشى، لأن الآية صريحة في نفي الحلول - المحتاج إليه المخلوق - ونفي غير الحلول، ولو أثبتناه له سبحانه جعلناه كسائر الأجرام الشاغلة للحيّز، واندرجنا في قوله تعالى: {إِن كُنَّا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِين ٩٧ إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِين ٩٨}⁣[الشعراء] يعني إذ سوينا المخلوق بالخالق، وأضفينا عليه صفتَه، ولو أثبتنا الحلول له لأثبتنا له الانتقال، لأنه سبحانه كائن قبل كل شيء، ثم كوّن المحل (السماء!) ثم كان فيه! فأثبتنا له الانتقال والحلول في المكان، وهذان الأمران يبطلهما أيضاً قصة إبراهيم # الذي حكى الله عنه {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِين}⁣[الأنعام: ٧٦] ... إلخ. ثم ختمها سبحانه بقوله: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ}⁣[الأنعام: ٨٣] وقال لرسوله محمد: {فَاتَّبِعْهَا} وقصة الخليل # في سورة الأنعام {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ} أي: تغيّر وانتقل من حال إلى حال أو من مكان إلى مكان {قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِين} يعني: لا يستحق أن يكون رباً وهو عُرضة للأحداث، وأسير للتحولات، فكيف يكون رباً؟! {فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّين}⁣[الأنعام: ٧٧] الذين عبدوا ما يتغير وينتقل وهم الصابئة وأتباعهم، {فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً} أي: طالعة {قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُون}⁣[الأنعام: ٧٨] أي: بريء من عبادتكم لكل متغير ومتحول، وحالّ في المكان ومنتقل، {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ ...} الآية.


(١) رواه الترمذي برقم ٣٤٨٣ وقال: حسن غريب. اهـ