تفتيح القلوب والأبصار إلى اقتطاف أثمار الأزهار،

محمد بن يحيى بهران (المتوفى: 957 هـ)

باب الوضوء

صفحة 410 - الجزء 1

  استيقظ أحدكم فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا، فإنه لا يدري أين باتت يده»⁣(⁣١)، وفي ذلك روايات آخر.

  قيل: وفي الحديث دلالة إيماء إلى أن العلة في الأمر بغسل اليد هو التردد في نجاستها، وذلك أنه كان أكثر طعامهم التمر فرقت بطونهم لذلك، وكانوا إنما يستجمرون، فربما مرت يد أحدهم في نومه على موضع الاستجمار مع العرق، وقد ألحق بذلك التردد في نجاسة اليد بغير النوم؛ والدليل على أن السنة غسل الكفين معا دفعة: ما ثبت في الأحاديث الصحيحة في صفة وضوءه ÷ أنه كان يفعل ذلك⁣(⁣٢). وهذا هو قول الهادي والسيدين والمنصور بالله والفريقين أن ذلك سنة غير واجب⁣(⁣٣)؛ إذ لم يذكره ÷ في حديث تعليمه الوضوء؛ ولقوله ÷: «لا يدري أين باتت» ولا وجوب مع عدم تيقن النجاسة.

  وذهب القاسم، وأبو العباس، وأحمد بن يحيى إلى وجوب ذلك⁣(⁣٤)؛ لظاهر خبر الاستيقاظ ومواظبته ÷ على ذلك، كما في أخبار صفة وضوئه ÷، وقوى ذلك المؤلف أيده الله تعالى، قال: لاتفاق الأحاديث الواردة في أخبار صفة وضوئه ÷ على ملازمته لذلك واستمراره عليه، وذلك يقتضي الوجوب؛ لقوله ÷: «صلوا كما رأيتموني أصلي»⁣(⁣٥) والوضوء كالجزء من الصلاة كما مر.

  وعن أحمد بن حنبل أن ذلك مندوب عقيب نوم النهار، واجب عقيب نوم الليل⁣(⁣٦)؛ لقوله ÷: «أين باتت». وجوابه، ما تقدم، والله أعلم.

  قوله أيده الله تعالى: (وجمع المضمضة والاستنشاق بغرفة قبل الوجه) هاتان السنة الثانية والثالثة؛ والدليل عليهما ما روي في أحاديث صفة وضوءه ÷.


(١) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الطهارة - باب كراهة غمس المتوضئ وغيره يده المشكوك في نجاستها في الإناء قبل غسلها ثلاثا ص ١٦٦ رقم (٢٧٨)، وأخرجه البيهقي في سننه، كتاب الطهارة - باب التكرار في غسل اليدين ١/ ٤٥ رقم (٢٠٣).

(٢) أخرجه النسائي في سننه، كتاب الطهارة - باب صفة الوضوء غسل الكفين ص ١٧ رقم (٨٢).

(٣) ينظر: الانتصار ١/ ٧٧٣، والبحر الزخار ١/ ٧٦، والمنتخب ص ٢٢، والمهذب ١/ ٧٢، وبدائع الصنائع ١/ ٢٠.

(٤) ينظر: الانتصار ١/ ٧٧٢، ٧٧٣، والبحر الزخار ١/ ٧٦، وشرح الأزهار ١/ ٩٠، ٩١.

(٥) سبق تخريجه ص ٥٢٦.

(٦) ينظر: المغني ١/ ٨١، والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف ١/ ١٣١.