[حقيقة العالم]
  من سائر الأفعال المحكمة التي ليست كذلك، والعلوم التي يختص الباري عز وعلا بالقدرة عليها هي العلوم الضرورية التي لا تنتفي عن النفس بلا شك ولا شبهة(١).
[حقيقة العالم]
  وحقيقة العَالِمِ: هو من يصح منه الفعل المحكم مع سلامة الأحوال، والدليل على أنه تعالى عالم: هو أنه قد صح منه الفعل المحكم، والفعل المحكم لا يصح إلاَّ من عالم، أما أنه قد صح منه الفعل المحكم؛ فلأنه قد وجد منه ووقع، والوقوع فرع على الصحة، ودليل وقوعه منه تعالى ما تقدم من إيجاده العالم مع ما فيه مِنْ غاية الإحكام، ونهاية الإتقان.
  وأما أن الفعل المحكم لا يصح إلاَّ من عالم؛ فلأنا وجدنا في الشاهد مفارقة بين من يصح منه الفعل المحكم وبين من لا يصح منه ذلك، وتلك المفارقة لا تكون إلا لصفةٍ حاصلةٍ لمن صح منه ذلك دون من تعذر عليه، وهي المعبر عنها بالعالمية.
  وإنما أتى الإمام حفظه الله ونصره في مسألة العالمية بلفظة «فالق» إشارة إلى تشبيه العلم بالنور، وهو تشبيه مضمر في النفس، فيكون استعارة بالكناية عند السكاكي(٢)، وتبعية عند غيره، وفي ذلك ملاحظة لقوله تبارك وتعالى: {فَالِقُ الْإِصْبَاحِ}(٣). واختار فيها لفظة «أَبْيَنَ»؛ لمناسبتها النور المشار إليه بلفظة «فالق»، وغير ذلك مما أشار إليه في شرحه.
  وخصها بالشمول والشيوع؛ لتعلقها بجميع المعلومات: الكليات والجزئيات، الموجودات والمعدومات؛ لأنه تعالى عالم لذاته، ولا اختصاص لذاته بمعلوم دون معلوم(٤) - فوجب أن يكون عالمًا بجميع أعيان المعلومات(٥). بخلاف القادرية فإنها إنما تتعلق بأجناس المقدورات دون أعيانها؛ لما يلزم من صحةِ مقدورٍ بين قادرين، كما هو مقرر في موضعه(٦)، ولذلك يقال: لا عام إلا مخصوص، غير قوله تعالى: {وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}(٧).
(١) في (ب، ج): بشك ولا شبهة.
(٢) يوسف بن أبي بكر محمد بن علي السكاكي الخوارزمي أبو يعقوب، سراج الدين: عالم بالعربية، والأدب، مولده ووفاته بخوارزم (٥٥٥ - ٦٢٦ هـ) من مؤلفاته: مفتاح العلوم. انظر: الأعلام للزركلي ٨/ ٢٢٢، ومعجم المؤلفين ٤/ ١٤٨ رقم (١٨٣٤٠).
(٣) سورة الأنعام: ٩٦.
(٤) في (ج): من دون معلوم.
(٥) في (ب، ج): إذ لا مانع من ذلك.
(٦) انظر: ينابيع النصحية ص ٥٣، ومصباح العلوم في معرفة الحي القيوم ص ٢٨، للحسن الرصاص، تحقيق د. المرتضى بن زيد المحطوري - مكتبة بدر للطباعة والنشر - الطبعة الأولى، وعدة الأكياس ١/ ٢٢٧.
(٧) سورة البقرة: ٢٨٣، النساء: ١٧٦، النور: ٣٥، ٦٤، الحجرات: ١٦، التغابن: ١١.