باب الوضوء
[الفرض الثاني: النية في الوضوء]
  (ومقارنة أوله بنية للصلاة عمومًا أو خصوصًا فلا يتعدى إلا في النفل(١)) هذا هو الفرض الثاني من فروض الوضوء، وهي النية، وحقيقتها: إرادة مؤثرة في الفعل مقارنة لأوله أو لجزء منه أو متقدمة عليه، فاعلها وفاعل المراد واحد.
  ومعنى كونها مؤثرة في الفعل أنه قد يصير بها طاعة ومعصية ونحو ذلك كالسجود لله تعالى وللصنم، فالمقارنة لأوله: كنية الوضوء، والتيمم، والغسل، والحج، والمقارنة لجزء منه: نحو نية صوم رمضان، والمتقدمة عليه: نحو نية(٢) الصلاة قبل التكبيرة، واشتراط كون فاعلها وفاعل المراد واحدا؛ ليخرج إرادة فعل الغير فإنها لا تسمى نية له، ولا يكفي في النية مجرد التلفظ بها من غير إرادة بالقلب، ولا مجرد الاعتقاد، ولا العلم، وعن المرتضى(٣) وأبي العباس والمنصور: أن من فعل شيئا عالمًا به مختارًا له فقد نواه. وقد تؤول بأن مرادهم أن ذلك دليل على أنه قد نواه، لا أن ذلك نفسه نية. والله أعلم.
  وقد اختلف في وجوبها: فالمذهب، وهو قول مالك والشافعي أنها واجبة في كل طهارة عن الحدث، سواء كانت بالماء أو بالتراب؛ إذ هي عبادة، بخلاف الطهارة من النجس(٤).
  ومما يدل على كونها من فروض الوضوء قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ}(٥) والوضوء عبادة؛ لقوله ÷: «الوضوء شطر الإيمان»، وهو طرف من حديث أخرجه مسلم، والترمذي(٦). والإيمان: الصلاة؛
(١) في (ب، ج): إلا النفل.
(٢) في (ب، ج): كنية.
(٣) هو الإمام أبو القاسم محمد «المرتضى» بن الهادي يحيى بن الحسين، وكان عالمًا، ورعا، أصوليا، مفسرا، فقيها، شجاعا، دعا إلى الله سنة ٢٩٨ هـ، واستمر نحو ستة أشهر، ثم سلَّم الولاية لأخيه الناصر، وتوفي بـ «صعدة» سنة ٣١٠ هـ، وله كتاب الأصول في التوحيد والعدل، والنوازل، والنبوة، والإرادة، والرد على القرامطة، والشرح والبيان، ومسائل الطبريين، وتفسير القرآن، وغيرها، وقد طبع مجموع يحتوي على معظم رسائله. ينظر: الشافي للإمام عبد الله بن حمزة ١/ ٣١٩، والتحف شرح الزلف ص ١٩٠، والأعلام للزركلي ٧/ ١٣٥.
(٤) ينظر: البحر الزخار ١/ ٥٥، والانتصار ١/ ٦١٩، والمهذب في فتاوى الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة ص ٥، ومختصر اختلاف العلماء ١/ ١٣٤، والمجموع ١/ ٣٥٤، وبداية المجتهد ١/ ٦٧.
(٥) سورة البينة: ٥.
(٦) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الطهارة - باب فضل الوضوء ص ١٥٠ رقم (٢٢٣)، والترمذي في سننه، كتاب الدعوات - باب رقم (٩١) ص ٧٧٣ رقم (٣٥١٧)، والبيهقي في سننه، كتاب الطهارة - باب جماع أبواب سنة الوضوء وفرضه ١/ ٤٢ رقم (١٨٥).