تفتيح القلوب والأبصار إلى اقتطاف أثمار الأزهار،

محمد بن يحيى بهران (المتوفى: 957 هـ)

فصل: [أفضل أماكن الصلاة]

صفحة 80 - الجزء 2

[حكم دخول الكفار المساجد]

  تنبيه: أما تمكين الكفار من دخول المساجد ففيه إطلاقان:

  وتفصيل الإطلاق الأول: للهادي والناصر⁣(⁣١) ومالك⁣(⁣٢) [وقتادة، وعمر ابن عبد العزيز]⁣(⁣٣) أنهم يمنعون من كل مسجد؛ لقوله تعالى: {فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} الآية⁣(⁣٤)، وسائر المساجد مقيس على المسجد الحرام.

  والإطلاق الثاني: للمؤيد وأبي حنيفة أنهم لا يمنعون من أي مسجد⁣(⁣٥)؛ لما روي أن النبي ÷ أنزل وفد ثقيف في المسجد وهم مشركون، وضرب لهم فيه قبة، وربط ثُمَامَةَ بن أُثال في سارية المسجد⁣(⁣٦)، ولم ينكر على أبي سفيان وعمير بن وهب⁣(⁣٧) دخولهما إلى المسجد وهما مشركان⁣(⁣٨)، ودخل عليه نفر من اليهود المسجد يسألونه، فلم ينكر عليهم ولا منعهم، ونحو ذلك.

  ورُدَّت بأنها مجرد أفعال، وهي معارضة بصريح القرآن، محتملة للنسخ. والتفصيل للشافعي، فقال: يمنعون من المسجد الحرام للآية دون غيره، مالم يعاهدوا على ذلك؛ إذ لا دليل⁣(⁣٩). ورُدَّ بأن القياس دليل، والله أعلم.

  قوله أيده الله تعالى: (ويحرم البصق فيها) أي في المساجد، والبصق والبزق بمعنى واحد، وهو طرح الريق من الفم؛ والأصل في ذلك ما روي عن النبي ÷


(١) أصول الأحكام ١/ ١٠٠، وشرح الأزهار ١/ ٣٧، وشرح التجريد ١/ ٣٤٢.

(٢) أحكام القرآن لأبي بكر محمد بن عبد الله المعروف بابن العربي المالكي ٢/ ٩١٤.

(٣) ما بين المعقوفتين ساقط من (الأصل). عمر بن عبد العزيز الأموي، ولد سنة ٦١ هـ، ولي الخلافة سنة ٩٩ هـ، وكان عادلا، توفي سنة ١٠١ هـ. روى له الجماعة. طبقات ابن سعد ٥/ ٣٣٠، تهذيب الكمال ٢١/ ٤٣٢.

(٤) سورة التوبة: ٢٨.

(٥) وقد فسر الأحناف {فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ}⁣[التوبة: ٢٨] أي لا يحجوا ولا يعتمروا. أحكام القرآن للجصاص ٣/ ٨٨.

(٦) مسلم ٣/ ١٣٨٦ رقم (١٧٦٤)، كتاب الجهاد والسير - باب ربط الأسير وحبسه وجواز ذلك.

(٧) عمير بن وهب بن جمح، أبو أمية، كان له قدرٌ وشرف في قريش، وشهد بدرًا كافرًا، قيل: شهد فتح مكة، وقيل: أسلم بعد وقعة بدر، وشهد أحدا، توفي سنة ٢٣ هـ تقريبا. ينظر: الاستيعاب ٣/ ٢٩٥، وأسد الغابة ١/ ٢٨٨.

(٨) الطبراني في الكبير ١٧/ ٥٦ رقم (١١٧)، وقال في مجمع الزوائد ٨/ ٢٨٦: وهو مرسل وإسناده حسن، والبيهقي في دلائل النبوة ٣/ ١٤٨.

(٩) الأم ١/ ٢٠٢، ومغني المحتاج ٤/ ٢٤٧.