الباب الأول
  ثم خرجوا قاصدين الإمام شرف الدين فوقع الصلح: على أنهم يبقون في صنعاء، والإمام يبقى في ثلاء، فاشترطوا ملاقاة الإمام شرف الدين، فأشير إليه بعدم ذلك؛ لما عليه المماليك من الغدر، فلما علموا ذلك عادوا إلى القتال فلم يظفروا بطائل، ثم خلال ذلك بلغهم قتل السلطان قانصوه الغوري(١)؛ فرجعوا ولكن قد عبثوا في اليمن، وقتلوا النفوس، واستباحوا الحرمات، ونهبوا الأموال، وبعد ذلك دانت صنعاء وبلادها، وصعدة، وما حولها وما بينهما لطاعة الإمام شرف الدين، ثم إن الإمام غزا إلى بلاد بني طاهر ففتح (التعكر)(٢)، وحراز، ثم إن الإمام استفتح جيزان، وبلاد أبي عريش، وسائر الجهات التهامية، ثم حصل بين الإمام وبين ولده المطهر أمور موحشة يطول شرحها.
  وقد حدث في أيام الإمام شرف الدين نوع من الاستقرار، ثم إن الأحوال استقرت وهدأت الحروب وعمرت المدارس.
المبحث الثاني: الحالة الدينية:
  قبل البدء بذكر الأوضاع الدينية في مدة الدراسة من (٨٨٣/ ٩٥٧ هـ) لا بد من ذكر أهم المذاهب المنتشرة في اليمن في ذلك الوقت، وهما مذهبان رئيسيان: المذهب الشافعي، والمذهب الزيدي، فضلا عن بعض الفرق المذهبية الصغيرة، كبقايا الإسماعيلية(٣)، والحنفية:
  أ - المذهب الشافعي: ينتسب المذهب الشافعي إلى الإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس، والذي يجتمع مع رسول ÷ في عبد مناف،
(١) قانصوه بن عبد الله الغوري، قيل اسمه جندب ولد سنة ٨٥٠ هـ تقريبا أحد ملوك دولة الشراكسة في مصر والشام، حكم عام ٩٠٤ هـ، أخباره كثيرة أشتهر بالظلم أرسل عدة كتائب من الجند المصري لمطاردة البرتغاليين الذين كانوا يحاولون احتلال سواحل البحر الأحمر؛ بغية السيطرة على الطرق التجارية. توفي سنة ٩٢٢ هـ ينظر: هذه هي اليمن ص ٣٠٦.
(٢) التعكر: جبل مطل على مدينة جبلة، تحده من الشمال مدينة إب، ومن جهة الجنوب الجندي وذي السفال، وكان حصنًا منيعا معمورًا بالقصور والعمارات، وهو اليوم خراب وأطلال. ينظر: مجموع بلدان اليمن وقبائلها، للحجري ١/ ١٥٥.
(٣) الإسماعيلية: نسبة إلى إسماعيل بن جعفر الصادق بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وتسمى الفاطمية، والباطنية، والقرامطة، وكان داعية الإسماعيلية في اليمن علي بن الفضل الجيشاني الختفري، وأبو القاسم الحسن بن حوشب الكوفي، وبدأت حركتهما في اليمن عام ٢٦٨ م وكادت تستولي على جميع اليمن، وقد خاض معهم الإمام الهادي يحيى بن الحسين أكثر من ثمانين معركة، وما زالت في مناطق قليلة من اليمن: مثل حراز، وطيبة في همدان، وعراس حوشب والعدين في إب. ينظر: التاريخ العام لليمن، لمحمد بن يحيى الحداد ٢/ ١٦٣، وتاريخ المذاهب الإسلامية، ص ٢٧٧، محمد أبو زهرة - دار الثقافة العربية - (١٩٥٩ م). واليمن قبل الإسلام والقرون الأولى للهجرة الرابع حتى العاشر الميلاد، ص ٢٧١ - ٢٨٠، لمحمد الشعيبي - دار المعرفة - بيروت - ط ١ (١٩٨٧ م).