فصل: [في التعزية]
  قال: «من عزى ثكلى كسي بردا في الجنة». أخرجه الترمذي أيضًا(١).
  وثمرة التعزية الحث على الصبر، والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى، وإلى الرضا بقضائه؛ ليحصل الأجر [العظيم](٢) مع العوض، والمشروع أن يعزى كل بما يليق به، فإن عزي مسلم بمسلم قيل: أعظم الله أجرك، وأحسن عزاك، وغفر لميتك(٣).
  قيل: وروى الحاكم في المستدرك، والطبراني في الكبير، والأوسط عن معاذ أن النبي ÷ كتب إليه يعزيه بابن له، فقال له بعد صدر الكتاب: أعظم الله لك الأجر، وألهمك الصبر، ورزقنا وإياك الشكر(٤). وإن عزي مسلم بذمي قال: أعظم الله لك أجرك وأخلف عليك، وجبر مصيبتك، ولا يقال: وغفر لميتك، وإن عزى ذميًّا بمسلم قال: غفر الله لميتك، وأحسن عزاك، ولا يقال له: أعظم الله أجرك. وأشباه ذلك. وإن كان المعزي والمعزى فيه ذميين أو فاسقين قال: اصبروا فإنا لله وإنا إليه راجعون(٥).
  وقال مالك: يكره تعزية أهل الذمة(٦). وقال أبو حنيفة: تكره عيادتهم لا تعزيتهم بما يليق، فلا تكره(٧). وعند أهل المذهب، ومالك: أن عيادتهم لا تجوز إلا أن ترجى توبة(٨) المريض. قيل: ولا يجوز حضور جنائزهم؛ لقوله تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ}(٩) الآية. وحضور الجنازة كالقيام على القبر. قيل: وإن
(١) سنن الترمذي ص ٢٥٠ رقم (١٠٧٦)، كتاب أبواب الجنائز - باب آخر في فضل التعزية، وقال: هذا حديث غريب وليس إسناده بالقوي.
(٢) ما بين المعقوفتين من (ج).
(٣) روضة الطالبين ص ٢٤٠، وشرح الأزهار ١/ ٤٤٥.
(٤) المستدرك على الصحيحين ٣/ ٣٠٦ رقم (٥١٩٣)، وقال: صحيح ولم يخرجاه، والمعجم الكبير ٢٠/ ١٥٥ رقم (٣٢٤)، والمعجم الأوسط ١/ ٣٣ رقم (٨٣).
(٥) شرح الأزهار ١/ ٤٤٥، والقول بجواز تعزية الذمي هو قول أئمة الزيدية، وبه قال الشافعي. ينظر: الأحكام في الحلال والحرام ١/ ١٦٠، والتجريد ص ٨١، والوجيز ص ٦٧، والمجموع ٥/ ٢٧٨، وروضة الطالبين ص ٢٤٠.
(٦) أما أحمد بن حنبل فقد توقف عن تعزية أهل الذمة، وهي تخرج على عيادتهم، وفيه روايتان: أحدهما: يعودهم؛ لأنه روي أن غلامًا من اليهود كان يخدم النبي ÷ فأتاه يعوده، فقعد عند رأسه فقال له: أسلم، فنظر إلى أبيه عند رأسه فقال له: أطع أبا القاسم فأسلم. والثانية: لا يجوز. ينظر: الكافي في فقه الإمام أحمد ص ١٧٥.
(٧) الجامع الصغير لمحمد بن الحسن الشيباني ص ٤٨١، فلا بأس بعيادة الذمي عند أبي حنيفة، ولم أقف على قول له في التعزية فيما رجعت إليه من كتب الحنيفة.
(٨) لم أقف على قول لمالك فيما رجعت إليه من كتب المالكية.
(٩) سورة التوبه: ٨٤.