كتاب الجنائز
  اضطر المعزي إلى الدعاء بغير ما يليق، كالدعاء بخير الآخرة لمن لا يستحقه جاز ذلك مع الصرف بالنية والتعريض، ففي التعاريض مندوحة(١)، كما ورد. قيل: والمشروع من التعزية مرة واحدة؛ لما ورد عن النبي ÷ أنه قال: «التعزية مرة». حكاه في الانتصار، والحكمة في ذلك كون في تكريرها تذكير بالمصيبة، وتجديد للحزن. فإن علم من حال المعزى خلاف ذلك فلا بأس بتكريرها(٢).
  قوله: (وهي بعد دفن الميت أفضل) وذلك لأن الحزن يعظم بالمفارقة(٣). وقال أبو حنيفة: بل قبل الدفن. وقيل: لا بأس بتقديم التعزية إذا كان ثمة غرض أبلغ، كجبر قلوب أهل الميت، حيث يكون في تأخير التعزية كسر(٤) لقلوبهم.
  ولا بأس بالتعزية قبل الدفن وبعده معا(٥)؛ إذا كان ذلك أشرح لصدورهم(٦)، وأطيب لنفوسهم، وإنما يكره تكرارها حيث يكون فيه تهييج للحزن كما تقدم، وحيث يحصل خلاف ذلك تزول كراهة(٧) التكرار، ويحسن، والله أعلم(٨).
  ويستحب أن يعم بالتعزية أهل الميت الكبار والصغار، الذكور والإناث، إلا الشواب(٩)، فلا يعزيهن غير محارمهن(١٠).
  ويكره التعزية بعد ثلاث لما سبق من كونها تكون سببًا لتجديد الحزن، إلا حيث يكون المعزي والمعزى له(١١) غائبا أو مريضا أو محبوسا(١٢)، فلا كراهة. قيل: إلى شهر(١٣).
(١) صحيح البخاري ٥/ ٢٢٩٣، باب المعاريض مندوحة عن الكذب، والمعاريض: جمع معراض، من التعريض، وهو أن يقول كلاما يفهم منه شيء ويقصد به شيئا آخر. فتح الباري ١٠/ ٢٩٤. قلت: ومن أمثله المعاريض: إذا أكره على الكفر يقول: كفرت باللاهي؛ فهي مخرج له من الكفر بالله.
(٢) الانتصار ٤/ ٧٢٤.
(٣) الانتصار ٤/ ٧٢٤، وشرح الأزهار ١/ ٤٤٦.
(٤) في (ب): كسر قلوبهم، وفي (ج): كسرًا لقلوبهم.
(٥) وبه قال الشافعية. روضة الطالبين ص ٢٤٠.
(٦) في الأصل: لصدور وأطيب ..
(٧) في (ب): تزول الكراهة للتكرار.
(٨) الانتصار ٤/ ٧٢٤.
(٩) في (ج): لا الشواب.
(١٠) الانتصار ٤/ ٧٢٧، وروضة الطالبين ص ٢٤٠.
(١١) في (ج): والمعزى إليه.
(١٢) في (ب): غائبان أو مريضان أو محبوسان.
(١٣) الانتصار ٤/ ٧٢٩، والبحر الزخار ٢/ ١٣٤.