[شرح مقدمة الأثمار]
  إليه اجتهاده، ولا يجوز له الرجوع إلى غيره، بخلاف غير المجتهد فإن فرضه التقليد؛ لعدم تمكنه مما تمكن منه المجتهد؛ ولقوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}(١).
  الصورة الثانية: في العملي المترتب على علمي فإنه لا يجوز التقليد فيه كما تقدم ذكره.
  وقوله: «للإجماع» أي إنما جاز التقليد فيما تقدم ذكره للإجماع من الصدر الأول ومن يليهم؛ إذ لم يؤثر(٢) عن أحد منهم الإنكار على المقلدين فيما ذكروا، ولا ألزموهم البحث عن الأدلة والنظر فيها من دون فرق بين ظني وقطعي.
  وذهب الجعفران(٣) إلى منع التقليد مطلقا، وقالا: يجب على العامي أن يسأل العالم عن دليل الحكم ونحو ذلك. وقال أبو علي: يجوز التقليد في الظنية دون القطعية؛ إذ الحق فيها مع واحد، فلا يأمن تقليد المخطئ [وذلك لا يجوز كما تقدم](٤).
  ورد بما تقدم من الإجماع، وبأن ذلك تكليفه فلا يضره معه تجويز الخطأ كالمجتهد الذي لا يأمن الخطأ في اجتهاده.
(١) سورة النحل: ٤٣.
(٢) في (ج): إذ لولم يؤثر.
(٣) الجعفران هما: جعفر بن مُبَشِّر بن أحمد بن محمد أبو محمد، أحد متكلمي المعتزلة البغدادية، له كتب مصنفة في الكلام، وكان من الزهاد النساك، توفي سنة ٢٣٤ هـ. ينظر: تاريخ بغداد ٧/ ١٦٢، وفضل الاعتزال، للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني، تحقيق: فؤاد سيد - الدار التونسية للنشر - ط ٢ (١٩٨٦ م - ١٤٠٦ هـ) ص ٢٨٣، والمنية والأمل ص ١٧٥.
جعفر بن حرب، وهو من متكلمي المعتزلة البغدادية، درس على أبي الهذيل، وكان جعفر بن حرب زاهدا ورعا عالما، توفي سنة ٢٦٦ هـ، له مؤلفات منها: كتاب الإيضاح، ونصيحة العامة، والمسترشد، وكتاب التعليم، والأصول الخمسة، والديانة. فضل الاعتزال ص ٢٨١، والمنية والأمل ص ١٧٥.
(٤) في (ج): وذلك قبيح لا يجوز. وينظر: المعتمد ٢/ ٣٦٠، وصفوة الاختيار ص ٣٧٥، والإبهاج ٣/ ١٩٠٣.