فصل: [في تقليد المجتهد]
  وفعله وتقريره، ويكفيه في ذلك مثل ما تقدم - من الآيات - في كتاب جامع لأكثر ما ورد من ذلك، كسنن أبي داود، [وكالشفاء في مذهبنا](١).
  واستدل على كون ذلك كافيًا بكثرة من بعثه النبي ÷، ومن بعده من الولاة والقضاة، وكانوا يعملون باجتهادهم مع كونهم لم يكونوا محيطين بجميع ما صدر عن النبي لا سيما في حال غيبتهم عنه(٢).
  ورابعها: المسائل التي انعقد الإجماع عليها من الصحابة ومن بعدهم، ونُقل إجماعهم عليها بالتواتر [ويكفي في ذلك](٣) أن يعلم أن الذي أداه إليه اجتهاده غير مخالف للإجماع(٤).
  وخامسها: علم أصول الفقه؛ لاشتماله على معرفة أحكام العموم والخصوص، والمجمل والمبين، والظاهر والمؤول، والناسخ والمنسوخ، وما يقتضيه الأمر والنهي من الوجوب والتحريم والفور والتكرار وغير ذلك؛ إذ لا يمكن استنباط الأحكام الشرعية عن أدلتها إلا بمعرفة جميع ذلك.
  وأما علم أصول الدين، فليس شرطًا في كمال الاجتهاد عند المحققين، وإن كان شرطا لصحة الدين.
  وكذا علم المنطق ليس بشرط؛ لإمكان إقامة البرهان من دونه(٥). وكذلك لا يشترط معرفة رجال الحديث وأحوالهم جرحًا وتعديلاً؛ استغناءً بما تحمله مصنفو الجوامع المعتبرة من العهدة في ذلك، لا سيما على قول أهل المذهب بقبول مراسيل العدول(٦).
(١) ما بين القوسين ساقط من (ب). والشفاء: هو شفاء الأوام في أحاديث الأحكام، تأليف الأمير الحسين بن بدر الدين، وهو كتاب مطبوع، تحقيق: جمعية علماء اليمن.
(٢) ينظر: منهاج الوصول إلى معيار العقول ص ٧٩٦.
(٣) في (ب، ج): ويكفيه في ذلك.
(٤) كتب بعض الفقهاء في مسائل الإجماع منهم العلامة جمال الدين محمد بن علي الريمي، وسماه عمدة الأمة في إجماع الأئمة، طبع بتحقيق الدكتور عبد الواحد محمد الشجاع، ولأبي بكر النيسابوري كتاب الإجماع، ولمحمد بن الحسن التميمي الجوهري - كتاب نوادر الفقهاء، وكذلك لابن حزم، وربما اختار هؤلاء رأي ابن جرير الطبري وأبي بكر الرازي الحنفي والغزالي وغيرهم من أن الإجماع ينعقد مع مخالفة اثنين. ينظر: مقدمة نوادر الأصول ص ١٣.
(٥) قال في البحر الزخار ١/ ٣١: فأما المنطق فالمحققون لا يعدونه لإمكان إقامة البرهان من دونه.
(٦) البحر الزخار ١/ ٣٣.