تفتيح القلوب والأبصار إلى اقتطاف أثمار الأزهار،

محمد بن يحيى بهران (المتوفى: 957 هـ)

باب النجاسات

صفحة 254 - الجزء 1

  الصورة الثانية: أن يضع المتنجس في الماء فيغسله به، ثم ينقله إلى ماء آخر فيغسله به، ثم ينقله إلى ماء ثالث فيغسله به.

  ولا فرق عندنا بين أن يكون ما ذكر من الماء كثيرًا أم قليلا⁣(⁣١).

  وعند الشافعية أن المتنجس لا يطهر في هذه الصورة إلا إذا كان الماء قلتين فصاعدا؛ لأن إيراد المتنجس على الماء القليل ينجسه، بخلاف ما إذا أورد الماء على المتنجس وغسل به فإنه يطهر بذلك؛ لأن للماء الوارد قوة تمنع⁣(⁣٢) من تنجسه⁣(⁣٣)؛ لملاقاة النجس؛ واستدلوا على ذلك بحديث الأعرابي الذي بال في المسجد، وبحديث الاستيقاظ، فإن النبي ÷ أمر بإيراد الماء على البول في حديث الأعرابي، ومنع المستيقظ من غمس يده في الماء حتى يغسلها ثلاثا؛ لئلا ينجس الماء بذلك⁣(⁣٤)، وقد تقدما.

  وأجيب بأن الأول خاص بالأرض للضرورة، والثاني لقصد انفصال النجاسة، ثم إن كلامهم مبني على أن الغسلة الواحدة كافية في التطهير، ونحن لا نسلم ذلك كما مر⁣(⁣٥).

  فرع: ولا يشترط غسل المتنجس دفعة واحدة على الصحيح، بل يجزئ أن يغسل بعضًا فبعضا، قيل: مع غسل ما يجاور البعض الثاني من البعض الأول، ثم كذلك حتى يكمل غسله فتطهر، فإن لم تغسل المجاورات المذكورة لم تطهر. وقيل: بل يشترط غسله دفعة واحدة؛ لأن المجاور مع التبعيض يتنجس به ما يجاوره، وهكذا إلى آخر أجزاء الثوب، وكذا يأتي الكلام لو لم يكن المتنجس إلا بعض الثوب ونحوه على الخلاف المذكور⁣(⁣٦).

  فرع: وأما حكم الغسلات فالمذهب أن الأوليين⁣(⁣٧) نجس؛ لوجوب الغسلة الثالثة. وأما الثالثة فطاهرة⁣(⁣٨)؛ إذ لا شيء⁣(⁣٩) بعدها؛ ولأنه لا بد أن يبقى منها بقية في المغسول، والماء الواحد لا يكون بعضه طاهرًا وبعضه نجسا.


(١) انظر: البيان الشافي ١/ ٤٧.

(٢) في (ج): لأن الماء الوارد قوة يمنع.

(٣) في (ب): من تنجيسه.

(٤) انظر: المهذب ١/ ٤٧، وروضة الطالبين ص ١٢.

(٥) انظر: ضوء النهار ١/ ١١٩ - ١٢٠.

(٦) انظر: ضوء النهار ١/ ١٣٦ - ١٣٧.

(٧) في (ج): الأولتين.

(٨) في (ج): فطاهر.

(٩) في (ب): ولا شيء.