تفتيح القلوب والأبصار إلى اقتطاف أثمار الأزهار،

محمد بن يحيى بهران (المتوفى: 957 هـ)

باب المياه

صفحة 287 - الجزء 1

  وقيل: إن القليل من الماء هو ما يغلب على ظن المستعمل له أنه يستعمل النجاسة الواقعة فيه باستعماله، أو يلتبس يعني هل يستعمل النجاسة باستعماله أو لا.

  قال في الغيث: وهذا الحد ذكره أصحابنا، وفيه نظر، من حيث إنه قد يكون قليلاً، ولا يظن استعمالها باستعماله نحو أن يكون الماء في نهر ممتد غير جارٍ فتقع النجاسة في طرفه فيتوضأ المتوضئ في الطرف الآخر فإنه يغلب في الظن أن النجاسة لا تستعمل باستعماله وهو قليل، فيخرج من المحدود ما هو منه. وهذا ينقض طرد الحد؛ ولأنه يلزم منه دخول الكثير في حد القليل من حيث إنه لو وقعت نجاسة في جانب من الكثير، واستعمل [المستعمل]⁣(⁣١) من الماء موضع النجاسة فإنه يغلب على الظن أن النجاسة مستعملة باستعماله مع كونه كثيرًا، فيدخل في المحدود ما ليس منه، وهذا ينقض عكس الحد، فالأولى أن يزاد في الحد، فيقال: هو ما ظن استعمالها باستعماله تحقيقًا أو تقديرًا؛ لأجل قلته. ولا يقال: هذا إحالة بمجهول على مجهول؛ لأنك في تحديد القليل، فكيف قلت: لأجل قلَّته، وهذا يستلزم أن تعلم قلته قبل التحديد، وإذا علمت استغني عن الحد؛ لأنا نقول: القلة نوعان: شرعية، وحسية. فالشرعية: هي التي نحن في تحديدها. والحسية: معلومة لكل ذي حس سليم، فإن الإنسان يفرق بالرؤية بين الأقل والأكثر، فكأنا نقول: القليل الشرعي: هو ما ظن استعمال النجاسة باستعماله لأجل القلة التي نشاهدها⁣(⁣٢)، ونقدرها إلى آخر ما ذكره [#]⁣(⁣٣)، فسلم الحد من الاعتراض الأول بقوله: "أو تقديرا"، ومن الاعتراض الثاني بقوله: "لأجل قلته"، وكذا إذا التبس على المستعمل للماء الذي وقعت فيه النجاسة هل يستعمل النجاسة باستعماله أو لا، فإن هذا لاحق بما التبس⁣(⁣٤) قلته؛ لأن الأصل القلة، وإذا التبس حال الشيء رُجِعَ إلى أصله.

  والدليل على هذا القول ما تقدم من أدلة وجوب اجتناب النجس وترك استعماله، والواجب العمل بالظن عند تعذر اليقين كما هو مقرر في مواضعه.

  وأما ما يقال من أنه يلزم على هذا أن يكون الماء الواحد طاهرًا عند شخص، نجسًا


(١) ما بين المعقوفتين ساقط من (ج).

(٢) انظر: البحر الزخار ١/ ٣٢، والانتصار ١/ ٢٦٠.

(٣) ما بين المعقوفتين من (ب).

(٤) في (الأصل): بما لا تلتبس قلته؛ والصواب ما أثبتناه.