الباب الأول
  الناس، وقد أعطت فئة واسعة منهم جل اهتمامها به؛ لما كان له دور فاعل في حياة المجتمع، فقد تميزت هذه الفترة (٨٨٣ - ٩٦٥ هـ) بازدهار العلم وكثرة العلماء، ولقد نشأ العلامة ابن بهران في بيئة علمية زاخرة بالعلم والعلماء في شتى فروع العلوم التي تبدأ بأصول الدين وعلوم العقيدة والفقه وعلوم الآلة (النحو، والصرف، والبديع، والبيان) وعلم الكلام، وعلوم الملل والنحل.
  ومن هنا تعددت المشارب التي نهل منها ابن بهران وانعكس ذلك على مؤلفاته التي امتازت في كثير من الجوانب.
  وقد دفع الوازع الديني في هذه الفترة أفراد المجتمع إلى الإكثار من المؤسسات الدينية التعليمية تقربا إلى الله تعالى، فبادر أهل الخير إلى وقف الأوقاف من: مبان، وأراض وغيرها على مختلف الأغراض الخيرية(١).
  فقد كثرت الهجرة والمدارس العلمية؛ فتنقل العلماء بين الهجر والأماكن العلمية للدراسة والتدريس، وعقدت المجالس العلمية، وكثرت فيها المباحثات، وتلاقحت الأفكار؛ إذ كان يحضر مجلس الإمام شرف الدين - والذي كان يغوص بكبار العلماء - كثير من علماء الشافعية(٢)، وكثرت المكتبات التي تزخر بالمؤلفات في جميع الفنون(٣). وكثرت التصانيف في القرنين التاسع والعاشر الذي عاش فيهما ابن بهران، وخاصة أيام الإمام شرف الدين الذي كان يشجع على التأليف، والكتابة في العلوم الإسلامية، ومن ذلك أنه يتلقى المؤَلَّف الواصل به مؤلفه ببالغ التشريف؛ فيأمر الجنود والحاشية الإمامية من العلماء والفضلاء وعامة الناس بأن يشيعوا المؤلف وكتابه من خارج العاصمة إلى القصر الإمامي، كما فعل مع ابن بهران عندما قدم بكتابه شرح الأثمار؛ فقد زفه الإمام على ما سبق وصفه(٤)، وقد قيل: إنه عمل ذلك عند وصوله بكتابه
(١) ينظر: مكنون السر في تحرير نحارير السر - ص ١٦١، لعماد الدين يحيى بن محمد المذحجي - ط ١ (١٤٢٣ هـ/٢٠٠٢ م).
(٢) كالعلامة صالح بن الصديق النمازي، والعلامة المقرئ محمد بن أبي بكر الحرازي الشافعي (ت: ٩٦٥ هـ). ينظر: المقصد الحسن (مخطوط).
(٣) ينظر: مكنون السر ص ١٥٠، ١٨٦.
(٤) البدر الطالع ٢/ ٢٧٨.