تفتيح القلوب والأبصار إلى اقتطاف أثمار الأزهار،

محمد بن يحيى بهران (المتوفى: 957 هـ)

كتاب الطهارة

صفحة 373 - الجزء 1

  (ولصحته مطلقًا الإسلام وطهارة عن موجبه) أي ويشترط لصحة الوضوء الحقيقية والمجازية الإسلام، فلا يصح وضوء الكافر على المذهب⁣(⁣١)، وإن قلنا بوجوبه عليه على القول بأنه مخاطب بالشرعيات، وإنما لم يصح من الكافر لعدم نية التقرب منه، وكذلك يشترط لصحة الوضوء مطلقًا الطهارة عن موجب الوضوء، وهو كل نجاسة في محلها الذي خرجت منه، فلو أخر الاستنجاء حتى استكملت⁣(⁣٢) أعضاء الوضوء ثم استنجى لم يصح وضوءه لا حقيقة في حق المكلف ولا مجازًا في حق الصبي، ولو قلنا: بأن الفرجين ليسا من أعضاء الوضوء⁣(⁣٣)، وكذلك لو كان قد خرج من بدنه قطرة دم أو نحوه، أو من فِيهِ ملؤه قيئًا دفعة لم يصح وضوءه حتى يزيل تلك النجاسة بتطهير محلها الذي خرجت منه لا ما سال منها إلى سائر البدن؛ لأنها نجاسة طارئة، قال في الغيث: والوجه في ذلك القياس على الجنب؛ إذ لا فرق بين الحدثين. انتهى.

  ولم يذكر المؤلف أيده الله تعالى اشتراط طهارة البدن عن موجب الغسل وهو الحيض والنفاس والجنابة كما في الأزهار⁣(⁣٤)، ولعله اختيار⁣(⁣٥) منه لعدم اشتراط ذلك كما


(١) انظر: الانتصار ٢/ ٤٦، والبيان الشافي ١/ ٨٨.

(٢) في (ب، ج): حتى استكمل.

(٣) القول بأن الفرجين من أعضاء الوضوء هو المشهور عن الهادي، وأحمد بن يحيى المرتضى، وأبي العباس الحسني. انظر: البيان الشافي ١/ ٨٣، وشرح الأزهار ١/ ٨٠، والأحكام في الحلال والحرام ١/ ٤٩. وهي ثابتة عند جميع العترة لإزالة النجاسة للصلاة، أما كونها من فروض الوضوء فجمهور أهل البيت وكثير من شيعتهم أن الفرجين ليسا من أعضاء الوضوء، وكلام الإمام الهادي في المنتخب والأحكام واضح أنه يريد إن كان فيهما نجاسة، فقد ذكر في المنتخب ٢٤: قلت - أي محمد بن سليمان: فالاستنجاء فريضة من فرائض الطهور؟ قال الإمام الهادي: نعم، أكبر فرائض الطهور، قلت: فإن العامة تروي الأخبار أن الاستنجاء ليس من فرائض الطهور، قال: قد رووا ذلك وهذه الرواية مضادة لكتاب الله، ونقض لما أمر الله به، قلت: وأين أمر الله به في كتابه؟ قال: قوله تبارك وتعالى في كتابه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} فدل قوله سبحانه: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} أنه قد أمر بالاستنجاء عند وجود الماء من الغائط، فافهم ذلك، فإن فيه من نص كتاب الله بطلان ما قال به غيرنا من أن الاستنجاء ليس بفرض. وأما كلام الأحكام ١/ ٤٩ فلفظه: أول ما يجب على المتوضئ أن يغسل كفيه فينقيهما، ثم يغسل فرجه الأعلى فينقيه، فإذا أنقاه وأنقى ما حوله وما عليه من قذر أو درن غسل بعد ذلك وانحدر إلى فرجه الأسفل فأنقاه، ثم غسل يسرى يديه فأنقاها من أثر ما أماط من الأذى عن فرجه بها. وهذا صريح أنه أراد إزالة النجاسة. وقد ذكر هذه المسألة الإمام يحيى بن حمزة في الانتصار، وذكر أقوال الفقهاء، ورجح أن الفرجين ليسا من أعضاء الوضوء. انظر الانتصار ١/ ٥٨٧ وما بعدها.

(٤) لفظ الأزهار ص ٢١: باب الوضوء: شروطه: التكليف، والإسلام، وطهارة البدن عن موجب، ونجاسة توجبه.

(٥) في (ب): ولعله اختيارًا، وهو خطأ.