باب الوضوء
  لقوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ}(١) أراد: الصلاة إلى بيت المقدس، فكأنه قال: الوضوء شطر الصلاة، وهي تفتقر إلى النية، فكان مثلها؛ ولقوله: {مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} والإخلاص بالنية. هكذا في البحر(٢).
  وللحديث الذي أخرجه الستة إلا الموطأ من رواية عمر قال: سمعت رسول الله ÷ يقول: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها(٣) فهجرته إلى ما هاجر إليه»(٤).
  وعن الأوزاعي والحسن بن صالح وزفر أنها غير واجبة في شيء من الطهارات أصلا(٥)، وعن أبي حنيفة وأصحابه أنها لا تجب في الطهارة بالماء، وتجب في التيمم(٦).
  واختلف في أول الوضوء: فعن أحمد بن يحيى أنه غسل الكفين قبل إدخالهما الإناء؛ لأن ذلك واجب عنده(٧) لظاهر(٨) الخبر.
  وعن الهادي، والمرتضى، وأبي العباس غسل الفرجين بعد إزالة النجاسة(٩).
  وعن زيد بن علي غسل الوجه(١٠)، وكذا عن السيدين، لكنهما يقولان بوجوب المضمضة والاستنشاق، ويجعلان ذلك من كمال الوجه لا عضوا على حياله(١١)، فعلى هذا تجزئ عندهما النية عند المضمضة أو غسل الوجه، فثبت أن محل النية(١٢) عند أول عضو
(١) سورة البقرة: ١٤٣.
(٢) ينظر: البحر الزخار ١/ ٥٥.
(٣) في (ب، ج): أو امرأة ليتزوجها.
(٤) أخرجه البخاري في صحيحه - كتاب بدء الوحي - باب كيف بدء الوحي إلى رسول الله ÷ قول الله جل ذكره: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ}[النساء: ١٦٣] ص ٣ رقم (١)، ومسلم ٣/ ١٥١٥ رقم (١٩٠٧)، كتاب الإمارة - باب قَوْلِهِ ÷ «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ». وَأَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ الْغَزْوُ وَغَيْرُهُ مِنَ الأَعْمَال، وأبو داود في سننه، كتاب الطلاق - باب في ما عنى به الطلاق والنيات ص ٣٧٦ رقم (٢٢٠٠)، والنسائي في سننه ٢/ ٣١٥ رقم (٢٢٠١)، وابن ماجة في سننه، كتاب الزهد - باب النية ص ٦٤٢ رقم (٤٢٢٧).
(٥) ينظر: مختصر اختلاف العلماء ١/ ١٣٤.
(٦) ينظر: الهداية شرح بداية المبتدي ١/ ١٦.
(٧) ينظر: البحر الزخار ١/ ٧٦، والانتصار ١/ ٦١، والتحرير ١/ ٤٧، والبيان الشافي ١/ ٨٣، وذكر أن غسل اليدين في أول الوضوء هو قول القاسم والهادي، وابنيه، وأبي العباس الحسني.
(٨) في (ج): ولظاهر.
(٩) ينظر: المهذب في فتاوى الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة ص ٤، والانتصار ١/ ٦١٥، وشرح الأزهار ١/ ٨٠.
(١٠) ينظر: الانتصار ١/ ٦١٥.
(١١) ينظر: البحر الزخار ١/ ٦١، وشرح التجريد ١/ ١٢٨، ١٢٩.
(١٢) في (ب): فيثبت أن النية.