كتاب الطهارة
  من أعضاء الوضوء اتفاقًا بين من يوجبها، وإنما اختلفوا في تعيينه: فعلى هذا لا يجزئ فعلها بعد أول عضو، وأما قبله فإن كان قبل غسل الكفين لم يصح أيضا، وإن كان حال غسلهما ففيه خلاف رجح الإمام المهدي صحتها إذا كان بعد إزالة النجاسة.
  قيل: ومن أراد الأخذ بالإجماع نوى عند كل عضو ذهب ذاهب إلى أنه أول أعضاء الوضوء.
  نعم: ولا بد عند الهادي من أن ينوي الوضوء للصلاة، فلو نوى به رفع الحدث لم يصح أن يصلي به شيئا خلاف المؤيد بالله(١)، ويتفقان أنه يكفي في الغسل نية رفع الحدث، وأنه يجب في التيمم تعليق النية بما فعل له من صلاة وغيرها، ويصح في نية الوضوء للصلاة أن يكون عمومًا كأن ينويه للصلاة ويريد العموم أو لكل صلاة أو لما شاء من الصلاة أو نحو ذلك، فيصح أن يصلي بذلك الوضوء ما شاء من فرض ونفل اتفاقا(٢).
  ويصح أن تكون النية خصوصًا كأن ينوي وضوءه لصلاة الظهر أو نحو ذلك، فلا يتعدى ما خصه بالنية، فلا يصح أن يصلي بذلك الوضوء غير الظهر من الفروض، وكذا لو نوى رفع الحدث لم يتعده بل يرتفع فقط، فيجوز له مس المصحف عند من يمنع المحدث من مسه، ولا يصح أن يصلي بذلك الوضوء شيئا كما تقدم.
  وقوله: "إلا النفل" يعني فإنه يتبع الفرض والنفل، نحو أن ينوي به صلاة الظهر مثلا أو صلاة نافلة فيصلي معهما ما شاء من النوافل، وهذا حيث نوى بوضوئه صلاة مخصوصة كما هو مقتضى لفظ الأثمار.
  أما لو نوى به رفع الحدث أو مس المصحف أو نحو ذلك فإنه لا يصح أن يصلي به شيئا، كما مر؛ لأن النفل إنما يتبع الفرض في الصلاة؛ لاتفاقهما في الجنس لا غير الصلاة لاختلاف الجنس. ذكر معنى ذلك في الغيث.
  وحكي فيه عن زيد والناصر والمنصور والشافعي مثل قول المؤيد، يعني في عدم اشتراط تعليق نية الوضوء بالصلاة(٣)؛ وحجتهم قوله ÷: «لا صلاة إلا بوضوء»(٤)، فظاهره أنه متى تم الوضوء رافعا للحدث صحت به الصلاة مطلقا.
  وأما لو نوى وضوءه لركعتين لا سواهما احتمل أن يكون لنفي ما سواهما تأثير، فلا
(١) وهو أنه يرتفع حدثه، ويؤدي به ما شاء من الصلوات. ينظر: الانتصار ١/ ٦٢٥.
(٢) ينظر: شرح الأزهار ١/ ٨٣.
(٣) ينظر: الانتصار ١/ ٦٢٥، والناصريات ١٠٨، والمهذب في فتاوى الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة ص ٤، والمهذب ١/ ٧٠، والمجموع ١/ ٣٦٣، وحلية العلماء ١/ ١٢٨.
(٤) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ٢٢/ ٢٩٦ رقم (١٨٦٠٧)، والأوسط ٢/ ٢٦ رقم (١١١٥)، والدارقطني في سننه، كتاب الطهارة - باب التسمية على الوضوء ١/ ٧٣ رقم (٧)، وأبو عوانة في مسنده ١/ ٢٦٣.