باب الوضوء
  وقد قيل: إنه إجماع يعني قبل حدوث المخالف، وهما زفر وأبو بكر بن داود(١) الظاهري(٢)؛ وحجتهما أن "إلى" للغاية، كـ {إِلَى اللَّيْلِ}(٣) فلا يدخل ما بعدها فيما قبلها.
  قلنا: وقد يكون بمعنى ["مع"](٤) كـ {إِلَى أَمْوَالِكُمْ}(٥) فحملت في آية الوضوء على ذلك؛ للاحتياط في العبادة.
  ومما يدل على دخول المرفقين والكعبين فعل النبي ÷، ففي صحيح مسلم أن أبا هريرة توضأ فغسل وجهه فأسبغ وضوءه، ثم غسل يده اليمنى حتى أشرع في العضد، ثم غسل يده اليسرى حتى أشرع في العضد، ثم مسح رأسه، ثم غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق، ثم غسل رجله اليسرى حتى أشرع في الساق، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله ÷ يتوضأ(٦)، وفعله ÷ بيان للوضوء المأمور به، ولم ينقل عنه تركه لذلك.
  قيل: وأما الجلدة إذا كشطت(٧) عن الساعد وبلغ تكشطها العضد وتَدَلَّت فإنه لا يجب غسل شيء منها؛ لتدليها من غير محل الفرض.
  وأما إذا لم [يبلغ](٨) تكشطها العضد فإنه يجب غسل ظاهرها وباطنها مع ما ظهر من تحتها. انتهى.
  قيل: فإن اشتبهت اليد الزائدة بالأصلية، وذلك بأن يكون منبتهما كلتيهما من العضد، ولا تتميز الأصلية من الزائدة فإنه يجب غسلهما كلتيهما؛ لعدم المخصص كما تقدم في الوجه.
(١) محمد بن داود بن علي بن خلف الظاهري، أبو بكر، أديب، مناظر، شاعر، ذكي، يضرب به المثل بذكائه، وله بصر تام بالحديث وبأقوال الصحابة، وكان يجتهد ولا يقلد أحدا، أصله من أصبهان، ولد وعاش ببغداد، وتوفي بها مقتولا سنة ٢٩٧ هـ، كان يلقب بعصفور الشوك؛ لنحافته وصفرة لونه. له كتب وتصانيف منها: الزهرة في الأدب والشعر، والوصول إلى معرفة الأصول، والانتصار على محمد بن جرير، واختلاف مسائل الصحابة، وله كتاب في الفرائض. ينظر: سير أعلام النبلاء ١٣/ ١١٠ رقم (٥٦)، وتاريخ بغداد ٥/ ٢٥٦.
(٢) ينظر: الانتصار ١/ ٦٧٠، والبحر الزخار ١/ ٦٣، والأوسط ١/ ٣٩٠، والمبسوط ١/ ١١.
(٣) سورة البقرة: ١٨٧.
(٤) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(٥) سورة النساء: ٢.
(٦) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الوضوء - باب غسل الوجه باليدين من غرفة واحدة ص ٣٨ رقم (١٤٠)، ومسلم في صحيحه ١/ ١٤٩ رقم (٦٠٢)، كتاب الطهارة - باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء، وأحمد في مسنده ١/ ٢٦٨ رقم (٢٤١٦).
(٧) في (ب): إذا انكشطت.
(٨) ما بين المعقوفتين سقط من (الأصل).