تفتيح القلوب والأبصار إلى اقتطاف أثمار الأزهار،

محمد بن يحيى بهران (المتوفى: 957 هـ)

فصل: [أفضل أماكن الصلاة]

صفحة 79 - الجزء 2

  نفعه على النفس من عبادة أو غيرها فإنه لا يجوز، وإن كان قربة، فليس موضعا لكل قربة، بل لقربة مخصوصة من عبادة أو نحوها. انتهى⁣(⁣١).

  ويجوز أيضا ما يدخل تبعا للطاعة والمصالح مما لم يقصد دخول المسجد لأجله، وإنما عرض فعله قبل الاشتغال بها أو خلاله من كلام لا يحتاج إليه فيها ونحو ذلك؛ ودليل كون مثل ذلك معفوا إنشاد حسان⁣(⁣٢)، وكعب بن زهير⁣(⁣٣) وغيرهما للأشعار مع ما تضمنه من الغزل وغيره؛ لما كان يعقبه مدح النبي والذب عن عرضه الكريم، وعن الإسلام وأهله.

  قيل: ولا يجوز النوم في المسجد إلا لمعتكف أو نحوه ومضطر، [قيل⁣(⁣٤): والمضطر]⁣(⁣٥) من لا يجد شِرَاء ولا كِرَاء ولا عارية ليس فيها منة⁣(⁣٦)، قال في الغيث: وهذا عندنا ضعيف؛ لأنه إذا جاز الوقوف جاز النوم، والظاهر أن وفد ثقيف كانوا يقدرون على الكراء، وكذلك الرسول ÷، ولم ينقل أنه طلب لهم الكراء قبل إنزالهم في المسجد، واللائق أن يقال: يجوز لمن لا يجد غيره ملكًا له أو مباحًا، والله أعلم. انتهى⁣(⁣٧).

  واحترز المؤلف أيده الله تعالى بقوله: "غالبا" مما إذا كان في فعل المصلحة العامة إبطال لما هو أخص بالمسجد من غير ضرورة، أو يكون في فعل الخاصة مضرة على المسجد أو أذية تلحق الواقف فيه للطاعة كالتكسب فيه بالحدادة والنجارة، أو يكون فعلها في المسجد سببًا داعيا إلى ما يمنع أو ينقص ما هو أهم وأعم من الخاصة كالطاعة والمصالح العامة، فإن ذلك كله لا يجوز. ذكر ذلك في شرح الأثمار⁣(⁣٨)، والله أعلم.


(١) شرح الأزهار ١/ ٢٠١.

(٢) حسان بن ثابت الأنصاري، صحابي، كان من فحول الشعراء في الجاهلية والإسلام، توفي سنة ٤٥ هـ، وقيل غير ذلك. ينظر: أسد الغابة ٢/ ٦ رقم (١١٥٣)، والاستيعاب ١/ ٤٠٠ رقم (٥٢٥).

(٣) كعب بن زهير بن أبي سُلمى، له صحبة، هجا الرسول فأهدر دمه، ثم أقبل واسلم وقال قصيدة مدح فيها الرسول ÷، وكان قدومه على رسول الله بعد انصرافه من الطائف، وهو شاعر مجود كثير الشعر. الاستيعاب ٣/ ٣٧٣ رقم (٢٢١٧)، وأسد الغابة ٤/ ٤٤٩ رقم (٤٤٦٥).

(٤) القائل: أبو العباس الحسني.

(٥) ما بين المعقوفتين ساقط من (ب).

(٦) شرح الأزهار ١/ ٢٠٠، والبيان الشافي ١/ ١٩٩.

(٧) شرح الأزهار ١/ ٢٠٢، والبيان الشافي ١/ ٩٩٩.

(٨) شرح الأزهار ١/ ٢٠٠.