فصل: [أفضل أماكن الصلاة]
  وقد اختلف في حقيقة الرياء، وأحسن ما قيل فيها: هو أن يفعل الطاعة أو يخبر بها طلبًا للثناء من المخلوقين، أو لمنفعة دنيوية ينالها منهم(١).
  والمراد بمظان الرياء: المواضع التي يجتمع فيها الناس من المساجد وغيرها. والأصل في ذلك ما رواه زيد بن ثابت أن رسول الله ÷ قال: (صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي إلا المكتوبة). أخرجه أبو داود والترمذي(٢)، وقد روي موقوفًا على زيد(٣)، وعن جابر أن رسول الله ÷ قال: (إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيبا من صلاته، فإن الله جاعلٌ في بيته من صلاته خيرا). أخرجه مسلم(٤)، وعن كعب بن عجرة(٥) قال: صلى النبي ÷ في مسجد بني عبد الأشهل المغرب، فقام قوم يتنفلون، فقال النبي ÷: (عليكم بهذه الصلاة في البيوت). أخرجه الترمذي(٦).
  أما حيث كان المسجد خاليا فالنوافل فيه أفضل اتفاقا. وإنما الخلاف حيث يكون مدخولا(٧)؛ فعن أبي حنيفة أنها في البيوت أفضل مطلقا(٨)؛ لظاهر الأحاديث المتقدمة ونحوها. وعن المنصور بالله أن رواتب الفرائض في المساجد أفضل، وسائر النوافل في البيوت أفضل(٩)، والصحيح ما أشار إليه المؤلف أيده الله تعالى من أنها في البيوت أفضل، إلا لمن
(١) شرح الأزهار ١/ ٣٠٣.
(٢) أبو داود ١/ ٦٣٢ رقم (١٠٤٤)، كتاب الصلاة - باب صلاة الرجل التطوع في بيته، والترمذي ٢/ ٣١٢ رقم (٤٥٠)، كتاب الصلاة - باب ما جاء في فضل صلاة التطوع في البيت، وقال: حديث حسن.
(٣) قال الترمذي ١/ ٣١٣: وقد اختلف الناس في رواية هذا الحديث؛ فروي مرفوعا، ورواه مالك عن أبي النضر، ولم يرفعه، وأوقفه بعضهم، والحديث المرفوع أصح.
(٤) مسلم ١/ ٥٣٩ رقم (٧٧٨)، كتاب صلاة المسافرين وقصرها - باب استحباب صلاة النافلة في بيته وجوازها في المسجد.
(٥) كعب بن عجرة القضاعي البلوي الأنصاري حلفا، أبو محمد، شهد بيعة الرضوان، مات بالمدينة سنة ٥١ هـ، وقيل: سنة ٥٣ هـ، روى له الجماعة. ينظر: أسد الغابة ٤/ ٤٥٥، والاستيعاب ٣/ ٣٨٩، والإصابة ٣/ ٣٨١.
(٦) سنن الترمذي ٢/ ٥٠١ رقم (٦٠٤)، كتاب الصلاة - باب ما ذكر في الصلاة بعد المغرب أنه في البيت أفضل، وقال: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
(٧) البيان الشافي ١/ ١٩٤، والانتصار ١/ ٦٦.
(٨) المحيط البرهاني ١/ ٥١٢.
(٩) شرح الأزهار ٢/ ٢٠٢.