تفتيح القلوب والأبصار إلى اقتطاف أثمار الأزهار،

محمد بن يحيى بهران (المتوفى: 957 هـ)

كتاب الصلاة

صفحة 83 - الجزء 2

  اجتمع فيه الشرطان: أن يأمن على نفسه الرياء، وأن يكون ممن يقتدى به، فإن الأفضل له إظهار النوافل؛ ليجتمع له ثواب الطاعة وثواب الهداية للغير إلى فعلها⁣(⁣١).

  ويتصل بذلك فوائد: الأولى: أنه قد يخشى من العبد إظهار الطاعة، إما لما ذكر من كونه يقتدى به مع أمن الرياء، فيكون فعلها بمنزلة الأمر بالمعروف. وإما لقصد دفع التهمة عن نفسه بما ينسب إليه من معصية وهو بريء منها، فيكون إظهار الطاعة بمنزلة النهي عن المنكر، وإما لكونه في إظهارها تأكيد لصحة توبته، وإما لكونه ممن⁣(⁣٢) يدعو الناس إلى الحق، وبإظهاره الطاعات الكثيرة يكون الناس أقرب إلى إجابته إلى إقامة الحق وإماتة الباطل.

  ذكر معنى ذلك جميعه⁣(⁣٣) في الغيث⁣(⁣٤)؛ واستدل عليه بالحديث المشهور المتفق على صحته: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) الخبر⁣(⁣٥).

  الفائدة الثانية: فيمن لا يأمن الرياء على نفسه في الفروض⁣(⁣٦): هل يكون فعله إياها في البيوت أفضل؟

  قال في الغيث: الأقرب أن ذلك لا يقتضي كونها في البيوت أفضل، بل يصليها في المسجد، وعليه مدافعة النفس؛ لأنا إذا جعلنا خوف الريا عذرا في ترك الأفضل لزم من ذلك ترك كثير من الطاعات؛ لخشية الريا فيها، وقد ورد أن ترك الطاعة لخشية الرياء رياء. والله أعلم.

  الفائدة الثالثة: في ذكر بعض ما ورد من الأحاديث في الترهيب من الرياء: فعن أبي هريرة: سمعت رسول الله ÷ يقول: «إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقْضَى عَلَيْهِ رَجُلٌ⁣(⁣٧) اسْتُشْهِدَ فَأُتِىَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعْمَتَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ. قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لأَنْ يُقَالَ جَرِيءٌ؛ فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ


(١) البحر الزخار ١/ ٢٢٠.

(٢) في (ج): مما يدعو.

(٣) في (ب، ج): معنى جميع ذلك.

(٤) شرح الأزهار ١/ ٢٠٣.

(٥) سبق تخريجه ص ٤٩٦.

(٦) في (ب، ج): الفرض.

(٧) في مسلم: يقضي عليه يوم القيامة.