فصل: [في استحباب البدء بالتسمية]
  تنبيه: وقد أورد مولانا أمير المؤمنين أطال الله أيامه ونصر أعلامه في هذا الموضع فوائد شريفة، ونكتًا لطيفة [لم يسبق إليها، ولا نبَّه غيره عليها](١)، ولم يزل - أيده الله بنصره - سابقًا إلى غاية(٢) كل فضيلة، متفردًا بكل منقبة جليلة، فقال ما لفظه: والمعنى أبتدئ ما أقصد إليه باسم الله، والمراد الجلالة، وإقحام لفظة(٣) اسم للتصريح بأن الابتداء باللفظ الدال على الذات لا بالذات. وهذا أظهر ما قيل هنا وأصح(٤).
  قال أيده الله: وفيه نكت شريفة مما يؤتى بالإقحام لأجله: منها: ما ذكرنا، ومنها: أنَّ إيهام(٥) تعظيم اسم الشيء أبلغ في التعظيم من تعظيمه في نفسه؛ لأنه يكون كدعوى الشيء ببينة. ومنها: أن فيه لا سيما في هذا المقام الذي فيه معنى الابتداء والمصاحبة والاستعانة حسنُ أدبٍ مع ذي الجلال والإكرام، الذي تاهت العقول والأفهام في حقيقة كنه ذاته، وحارت الأوهام في نهايات أنوار صفاته، وغير ذلك من الأسرار التي لا يتسع لها هذا الموضع.
  ولا يقال: إن المقحم زائد لا يراد به إلاَّ التأكيد كما ذكروا؛ لأنا نقول: مرادهم بالتأكيد تقوية المعنى، فكيفما زادت النكت والفوائد تَقَوَّى المعنى المقصود، وما مرادهم بأنه زائد إلاَّ أنه لو حُذِفَ لاستقام أصل المعنى، وإن أخل بقانون الفصاحة والبلاغة. وهذه الفوائد في الإقحام لا يكاد يخلو منها مُقْحَم، فإن مثل قول الشاعر:
  لا يرفع الطرفَ إلاَّ ما تَخَوَّنَهُ ... داعٍ يُنَادِيه باسم الماء مَبْغُومُ(٦)
  فيه إشعارٌ بأن مسمى الماء صوت لا كلمة، وكذلك قوله:
  إلى الحَوْلِ ثمَّ اسمُ السلام عَلَيكُمَا ... وَمَنْ يَبْكِ حَولاً كَامِلاً فَقَدِ اعتذر(٧)
= علم الأصول للغزالي ١/ ١٩٧.
(١) في (ش): لم يسبقه إليها غيره، ولا نبّه عليها سواه.
(٢) سقط من (ش) كلمة: غاية.
(٣) في (ب): لفظ.
(٤) ينظر: حاشية الشهاب على البيضاوي ١/ ٤٦.
(٥) في (ش): إبهام.
(٦) البيت لذي الرمة غيلان بن عقبة العدوي. ينظر ديوانه ص ٤٧٤ - دار صادر - بيروت - تحقيق: زهير فتح الله - ط ١ (١٩٩٥ م)، بلفظ: لا يَنْعَشُ الطرفَ. والمعنى صوت الظبية تدعو وليدها، تقول: "مَاء" فهو حكاية صوتها، والبغام: صوت الظبية. وخزانة الأدب، لأبي بكر علي بن عبد الله المعروف بابن حجة الحموي - د. كوكب دياب - دار صادر (٢٠٠١/ ١٤٢١ هـ) ٤/ ٣٤٤.
(٧) البيت لـ لبيد بن ربيعة بن عامر. ينظر: سلسلة التراث العربي - تحقيق: إحسان عباس - وزارة الإعلام - =