تفتيح القلوب والأبصار إلى اقتطاف أثمار الأزهار،

محمد بن يحيى بهران (المتوفى: 957 هـ)

[شرح خطبة الأثمار]

صفحة 101 - الجزء 1

  وأما إيثار لفظ الجلالة في قوله: "الحمد لله" فلما تقدم من كونه اسمًا خاصًا لذات الباري ø، المختص بجميع صفات الكمال، المستحق لجميع المحامد، فلو أتى بغيره من أسمائه ø كالقادر، والخالق، ونحوهما - لأوهم اختصاص استحقاقه الحمد بوصف دون وصفٍ، وقد أشار مولانا حفظه الله تعالى إلى هذا المعنى وزيادة.

  وقد استدل على استحباب تعقيب "البسملة" بـ"الحمدلة" في كل كلام له شأن، بالعقل والنقل.

  أما العقل: فما تقدم من كونه تعالى المنعم علينا بأصول النعم وفروعها، وشكر المنعم واجب عقلاً⁣(⁣١)، ولا نعمة أحق بالشكر من نعمة العلم النافع، والتوفيق لتأليفه وتدوينه.

  وأما النقل: فمن الكتاب: ما افتتح به الباري ø كتابه الكريم، وتوَّج به السبع المثاني، والقرآن العظيم، حيث قال، وهو أصدق القائلين وأحكم الحاكمين: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ١ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ٢} فإن ذلك مقول على ألسنة العباد على جهة التعليم لهم كيف يتبركون باسمه، وكيف يحمدونه ويمجدونه ويعظمونه، وبذلك اقتدى مولانا الإمام - أطال الله له الأيامَ - في افتتاح تأليفه⁣(⁣٢) الميمون الذي قرت بافتتاحه الأفئدة والعيون، وصدقت بكماله الآمال والظنون.

  قال أيده الله وحفظه: وقد عَدَلَ كثير من متأخري العلماء عن هذا النظم لأغراضٍ: منها ما هو صحيح كإفادة الاختصاص في قول بعضهم: الله أحمد، ونحوه. ومنها ما أدى إلى فساد المعنى كقول صاحب تنقيح الأصول في افتتاح شرحه: بسم الله الرحمن الرحيم حامدًا لله أولا وثانيا⁣(⁣٣)؛ لغرض العمل في الابتداء بمدلول الروايتين في حال واحدة.

  قلت: وأراد الإمام بالروايتين ما تقدم من الحديث المشهور: «كل أمرٍ ذي بال لم يبدأ فيه باسم الله فهو أبتر»⁣(⁣٤). وما أخرجه أبو داود من رواية زيد بن أرقم أن رسول الله ÷


(١) وجوب شكر المنعم عقلا هو ما ذهب إليه الزيدية، والمعتزلة. وذهب الأشاعرة وغيرهم إلى أن شكر المنعم لا يدرك بالعقل. ينظر: عدة الأكياس في شرح معاني الأساس ١/ ٦٣، والبرهان في أصول الفقه، لإمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني (ت: ٤٠٧ هـ)، تحقيق: عبد العظيم الديب، الناشر: المحقق، الطبعة الأولى (١٣٩٩ هـ).

(٢) في (ش): مختصره.

(٣) التوضيح شرح التنقيح على التوضيح لمتن التنقيح في أصول الفقه، للعلامة سعد الدين التفتازاني الشافعي (ت: ٧٩٢ هـ)، وشرح به كتاب التنقيح للقاضي صدر الشريعة عبيد الله النجاري الحنفي توفي سنة ٧٤٧ هـ - دار الكتب العلمية - بيروت - لبنان - بدون تاريخ. ١/ ٣.

(٤) سبق تخريجه ص ١٠٤.