كتاب الصلاة
  إذا سقوا بعد تأهبهم للخروج أن يخرجوا ويصلوا ويدعوا شكرا واستزادة، وإن تأخر عنهم السقي كرروا الاستسقاء(١). وفي استحباب استئناف الصيام تردد(٢): الأقرب عدمه؛ إذ لم يؤثر، وإن دام المطر حتى ضَرَّ جاز الدعاء برفعه؛ لما ثبت في حديث أنس المتقدم. وفي بعض رواياته أنه قال: «اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام، والظراب(٣)، وبطون الأودية، ومنابت الشجر». ويستحب أن يستسقي المخصب للمجدب(٤)، كما فعل النبي ÷ في حديث تقدم، وللكفار(٥) كما استسقى ÷ لقريش حين طلبه ذلك أبو سفيان(٦). ويستحب التبرك بأول المطر في الجسد والثياب(٧)؛ لحديث أنس قال: أصابنا ونحن مع رسول الله ÷ مطر، فحسر ÷
= غَارٍ فِى جَبَلٍ فَانْحَطَّتْ عَلَى فَمِ غَارِهِمْ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ فَانْطَبَقَتْ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْظُرُوا أَعْمَالاً عَمِلْتُمُوهَا صَالِحَةً لِلَّهِ فَادْعُوا اللَّهَ تَعَالَى بِهَا لَعَلَّ اللَّهَ يَفْرُجُهَا عَنْكُمْ، فَقَالَ أَحَدُهُمُ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَ لِي وَالِدَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ وَامْرَأَتِي وَلِىَ صِبْيَةٌ صِغَارٌ أَرْعَى عَلَيْهِمْ، فَإِذَا أَرَحْتُ عَلَيْهِمْ حَلَبْتُ فَبَدَأْتُ بِوَالِدَىَّ فَسَقَيْتُهُمَا قَبْلَ بَنِىَّ، وَأَنَّهُ نَأَى بِي ذَاتَ يَوْمٍ الشَّجَرُ فَلَمْ آتِ حَتَّى أَمْسَيْتُ فَوَجَدْتُهُمَا قَدْ نَامَا فَحَلَبْتُ كَمَا كُنْتُ أَحْلُبُ، فَجِئْتُ بِالْحِلاَبِ فَقُمْتُ عِنْدَ رُءُوسِهِمَا أَكْرَهُ أَنْ أُوقِظَهُمَا مِنْ نَوْمِهِمَا وَأَكْرَهُ أَنْ أَسْقِىَ الصِّبْيَةَ قَبْلَهُمَا وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمَي، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبِي وَدَأْبَهُمْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّى فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ لَنَا مِنْهَا فُرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ. فَفَرَجَ اللَّهُ مِنْهَا فُرْجَةً فَرَأَوْا مِنْهَا السَّمَاءَ. وَقَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَتْ لِي ابْنَةُ عَمٍّ أَحْبَبْتُهَا كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرِّجَالُ النِّسَاءَ وَطَلَبْتُ إِلَيْهَا نَفْسَهَا فَأَبَتْ حَتَّى آتِيَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَتَعِبْتُ حَتَّى جَمَعْتُ مِائَةَ دِينَارٍ فَجِئْتُهَا بِهَا، فَلَمَّا وَقَعْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا قَالَتْ يَا عَبْدَ اللَّهِ اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تَفْتَحِ الْخَاتَمَ إِلاَّ بِحَقِّهِ، فَقُمْتُ عَنْهَا فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّى فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ لَنَا مِنْهَا فُرْجَةً، فَفَرَجَ لَهُمْ، وَقَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ إِنِّي كُنْتُ اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرَقِ أَرُزٍّ، فَلَمَّا قَضَى عَمَلَهُ قَالَ: أَعْطِنِي حَقِّي، فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ فَرَقَهُ فَرَغِبَ عَنْهُ فَلَمْ أَزَلْ أَزْرَعُهُ حَتَّى جَمَعْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرِعَاءَهَا، فَجَاءَنِي فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تَظْلِمْنِي حَقِّي، قُلْتُ: اذْهَبْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ وَرِعَائِهَا فَخُذْهَا. فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تَسْتَهْزِئْ بِي، فَقُلْتُ: إِنِّي لاَ أَسْتَهْزِئُ بِكَ خُذْ ذَلِكَ الْبَقَرَ وَرِعَاءَهَا. فَأَخَذَهُ فَذَهَبَ بِهِ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّى فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ لَنَا مَا بَقِىَ. فَفَرَجَ اللَّهُ مَا بَقِىَ». صحيح مسلم ٤/ ٢٠٩٨ رقم (٢٧٤٣)، كتاب الرقاق - باب قصة أصحاب الغار الثلاثة والتوسل بصالح الأعمال، وصحيح البخاري ٢/ ٧٧١ رقم (٢١٠٢).
(١) المهذب ١/ ٤١٠، وروضة الطالبين ص ٢١٧.
(٢) البحر الزخار ٢/ ٨٣، وقال فيه: وفي استئناف الصيام تردد: الأصح يؤمرون به، وبالخروج في الرابع إن لم يشق نحوه. وروضة الطالبين ص ٢١٧.
(٣) الظراب: جمع ظرب، وهو الروابي الصغار، وقيل: الظِّرب من الحجارة ما كان أصله ناتئا في جبل أو أرض حزنة، وكان طرفه الناتئ مُحَدَّدًا، وقيل: رأس الجبل، وقيل الجبال الصغار. لسان العرب ١/ ٥٦٩.
(٤) المهذب ١/ ٤١٠، والبحر الزخار ٢/ ٨١، وروضة الطالبين ص ٢١٩.
(٥) البحر الزخار ٢/ ٨٤.
(٦) أبو سفيان صخر بن حرب القرشي، ولد قبل الفيل، أسلم عام الفتح، توفي سنة ٣٣ هـ، وقيل: ٣٢ هـ. أسد الغابة ٤/ ٢٤٠ رقم (٣٠٣٥).
(٧) المهذب ١/ ٤١٠، وروضة الطالبين ص ٢١٩، والبحر الزخار ٢/ ٨٢.