[شرح خطبة الأثمار]
  وأحاطت مقاصده بعامة الفروع الفقهية إلاَّ الشاذ منها، وسيأتي تفصيل هذه الجملة إن شاء الله تعالى، ومن وجوه البديع المذكورة: ما يسمى بالعكس والتبديل(١): وهو أن تقدم في الكلام جزءًا ثم تعكس فتقدم ما أخرت وتؤخر ما قدمت، كما في هذه الفقرة، وكما في قوله تعالى: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ}(٢).
  ومنه قولهم: عادات السادات، سادات العادات. وكلام الإمام، إمام الكلام.
  ومنها: إيهام التناقض؛ لأنه لو اتحد مدلول لفظ [الأصولين، واتحد مدلول لفظ](٣) الفروعين للزم التناقض؛ إذ لا يستقيم في شيئين أن يكون كل واحد منهما دليلاً على الآخر ومدلولاً له، فهو شبيه بإيهام التضاد المذكور في فن البديع، ولكن مدلولاتها في هذا الموضع متغايرة، فالمراد(٤) بما ذكر أولا من دلالة الفروع على الأصول دلالة مصنوعات الباري ø على وجوده وصفاته، وهي من قبيل دلالة الأثر على المؤثِّر؛ لأن الدلالات ثلاث:
  أحدها: دلالة الأثر على المؤثر، كما في هذه المسالة، وكدلالة صحة الفعل على كونه قادرًا، [وصحة الإحكام](٥) على كونه عالماً، ودلالة [هاتين الصفتين](٦) على كونه حيًّا.
  والثانية: دلالة المؤثر على الأثر، كدلالة كونه حيًّا على كونه مدركًا؛ لأنها مقتضاة عنها.
  والثالثة: دلالة أحد المتلازمين على الآخر، كدلالة تعلق الفعل به على وجوده.
  ووجه دلالة العالم على وجود الباري ø: أن الجسم لم يخل من الأعراض الْمُحْدَثَةِ ولم يتقدمها؛ وما لم يخل من الْمُحْدَثِ ولم يتقدمه فهو مُحْدَثٌ مثله.
  والمراد بالأعراض المحدثة هنا: الحركة، والسكون؛ والدليل على حدوثهما: أنه إذا تحرك الجسم عدم سكونه والعكس؛ إذ لو بقي أحدهما في الجسم مع وجود الآخر فيه - للزم أن يكون الجسم متحركاً ساكنًا في حالة واحدة، وذلك محال، وإذا جاز العدم على
(١) العكس في اللغة: رد الشيء إلى أوله، ويقال له: التبديل. وفي الاصطلاح: ما ذكره المصنف. ينظر: خزانة الأدب لأبي بكر بن حجة الحموي ٢/ ٤٣٩.
(٢) سورة الروم: ١٩.
(٣) ما بين المعقوفتين ساقط من (ب).
(٤) في (ب): والمراد.
(٥) في (ب): كدلالة الإحكام، وفي (ش): ودلالة صحة الإحكام.
(٦) في (ش): ودلالة كل من هاتين الصفتين.