تفتيح القلوب والأبصار إلى اقتطاف أثمار الأزهار،

محمد بن يحيى بهران (المتوفى: 957 هـ)

[صفتا القادرية والعالمية]

صفحة 109 - الجزء 1

[صفتا القادرية والعالمية]

  قوله #: (خالق قُدَرِ القادِرِينَ فما أمكن قادريته في القبول والسطوع، وفالق علوم العالمينَ فما أبْيَنَ عالميته في الشمول والشيوع).

  هاتان الفقرتان الشريفتان مع عذوبة ألفاظهما، وجودة⁣(⁣١) معانيهما، قد اشتملتا من وجوه تحسين الكلام على الترصيع: وهو نوع من فن البديع بديع، والمراد بهما الاستدلال على ثبوت صفتي القادرية والعالمية⁣(⁣٢) للباري ø على جهة التفصيل، والنصوصية، وإلاَّ فقد تضمنها وسائر الصفات على جهة الإجمال قوله - فيما تقدم -: دل بالفروع على الأصول؛ والدليل على أنه تعالى قادر: أنه قد صح منه الفعل، والفعل لا يصح إلاَّ من قادر، فثبت أنه تعالى قادر، أما أنه قد صح منه الفعل فلأنَّه قد وُجِدَ منه ووقع - لما تقدم من أنه خالق العالم - والوقوع فرع على الصحة. وأما أن الفعل لا يصح إلا من قادر؛ فلأنا وجدنا في الشاهد مفارقةً بين من يصح منه الفعل وبين من يتعذر عليه، وتلك المفارقة لا تكون إلا لصفةٍ حاصلةٍ لمن صح منه الفعل دون من تعذر عليه، وهي المعبر عنها⁣(⁣٣) بالقادرية.

  وإنما خص الإمام بالذكر قُدَرَ القادرين في الاستدلال على كون الباري تعالى قادرًا بِخَلْقِهِ إياها لدقيقتين:

  إحداهما: أن إيجاده تعالى ما يؤثر في إيجاد غيره للفعل، وثبت به كون ذلك الغير قادرًا - أمكن لقادريته تعالى وأدل عليها من إيجاد ما ليس كذلك.

  الثانية: الإشارة إلى الرد على من يقول لا فاعل إلاَّ الله تعالى⁣(⁣٤)، ولا يوصف بالقدرة على إيجاد الفعل غيره لاستلزام ذلك التسوية بينه تعالى وبين غيره في القدرة على الإيجاد، فأشار


(١) في (ش): وجزالة.

(٢) أي أن الله قادر عالم.

(٣) في (ب): عنهما.

(٤) وهم الأشعرية؛ لقولهم: إن أفعال العباد من الله تعالى والعباد مكتسبون لها.، والجهمية - أصحاب جهم بن صفوان؛ لأنهم قالوا: إن الإنسان وعمله من فعل الله كشجرة في مهب الريح -. انظر الملل والنحل، للعلامة أبي الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني - مطبعة مصطفى الحلبي - مصر (١٣٩٦ هـ/١٩٧٦ م) ٢/ ٨٦، والقضاء والقدر، لفخر الدين محمد بن عمر بن حسين الرازي - ط ١ (١٤١٠ هـ/١٩٩٠ م) ص ٣١، عدة الأكياس ١/ ٢٢٤.